تحقيقات وتقارير

ما بين الخرطوم وواشنطن… جماعــات خاســرة

يُعد رفع العقوبات عن السودان خطوة كبيرة.. وحدث تأريخي… في طريق عودة العافية عبر الاستثمارات والمعاملات البنكية بعد غياب دام لسنوات طويلة عاشت فيها الخرطوم ضغوطاً اقتصادية ومعيشية عانى خلالها المواطن مشقة الحياة بتأثيرمباشر اكثر من الحكومة… في خطوة لـ«تغبيش» الرؤية عن المجتمع الدولي دعت منظمة «كفاية» الأميركية إلى انتهاج الولايات المتحدة سياسة جديدة مرتبطة بمجموعة جديدة من العقوبات الذكية… بعد رفع العقوبات عن السودان…
بينما طلب كبير الديمقراطيين في الكونغرس الأميركي التعويل على أدوات إضافية للضغط على السودان.. وقال مدير منظمة «كفاية» جون بريندرغاست الآن بعد رفع العقوبات يجب على إدارة ترامب أن تضع إطارا جديدا تماما للسياسات تهدف إلى معالجة القضايا الأساسية التي أدت إلى فرض العقوبات في المقام الأول.. وأكد بريندرغاست أنه ينبغي أن ينصب التركيز على تعزيز حقوق الإنسان الأساسية والحريات الدينية ومكافحة الفساد وتحقيق السلام في مختلف المناطق التي مزقتها الحرب في السودان… وشدد أن هذه السياسة تحتاج إلى نفوذ جدي.. وبالتالي ينبغي ربطها بمجموعة جديدة من العقوبات الذكية… بما في ذلك تجميد الأصول التي تستهدف شبكة من الأفراد والكيانات، بدلا من شخص واحد واستهداف المسؤولين في السلطة عن الفظائع الجماعية وهدم الكنائس وعرقلة المساعدات الإنسانية وسجن وتعذيب الصحفيين وتقويض جهود السلام… كما نشطت مجموعات سودانية معارضة وطالبت بعدم رفع العقوبات عبر تسليم مذكرات للكونغرس… وعلى جانب آخر طالبوا ببسط حريات… وتوافق على ملفات السلطة والثروة… هل يظنون أن الدولة ستتلاعب بمؤسساتها؟ هل تطبق القانون عندما يوافقهم… وتنقض أحكامه حين لا تجري بما يشتهون؟ هل تسلمهم «اليد» علنا وتعطي «كتفاً» لهيبتها ؟…. مع كل «الخراب» الذي حل بالممتلكات… و«الطعنات» النجلاء الغائرة التي ضربت مفاصل الوطن وثوابته في مردود مباشر لمواقف المعارضين ونشطاء واشنطن تفرض تطورات الساحة تساؤلات حول مدى قدرة اللوبيات التي تستغل المسارات الخمسة كملفات حقوق الإنسان وحرب الجنوب وجيش الرب والمساعدات الانسانية في دفع العلاقات بين السودان وأمريكا للتوتر وتكشف المستجدات الأخيرة المرتبطة بمطالب «كفاية» مدى استهداف السودان على الساحة الأمريكية في تماسكه واستقراره… ماهي الخطوات الاحترازية التي يجب على الخرطوم انتهاجها لمواجهة خطر تلك اللوبيات؟…

اعتقادات سالبة…
اعتبر السفير خضر هارون ان مجموعة كفاية غير مؤثرة بعد صدور قرار الرفع… وقال: يصعب عليها تحريك الامور في الكونغرس لاعتقادهم في السابق ان ما يحدث في السودان نفس الذي يقع على السود في امريكا… كانت هذه افكار المسيحيين المتدينين في الكونغرس ونواب الكتلة السوداء .. وكذلك المسيحيون المتأصلون في الجنوب الامريكي والوسط كانوا يعتقدون ان حربا مع الجنوب رسالة مقدسة للدفاع عن المسيحيين، لكن هذا لم يعد موجودا الان بالكونغرس.

صُنع القرار…
عند الحديث حول السياسة في امريكا يتردد مصطلح «اللوبيات» …باعتبار ان تلك المؤسسات لديها تأثير كبير على صنع القرار في عاصمة القرار العالمي «واشنطن» وفي تلك المدينة الصغيرة نسبيا… تنتشر مكاتبها بالآلاف لتتولى العمل من أجل ترويج الأفكار والاطروحات بكل القطاعات، من الصناعة والزراعة إلى السلاح والسياسة والحروب، لكن ما هو اللوبي وكيف يعمل؟
هو عبارة عن «جماعة ضغط» تتولى محاولة التأثير على صُناع القرار من أجل تحقيق أهدافها… ولا شك بأن ظاهرة «اللوبيات» مثيرة للجدل في السياسة الأمريكية.. لكنها واقع لا يمكن تجاوز تأثيره… يقوم عمل اللوبي على تشكيل رأي عام مؤيد لفكرة ما أو معارض لها بشكل يتيح جمع ما يكفي من الأصوات لدعم ذلك الرأي في مراكز القرار مثل الكونغرس «زبائن» اللوبيات يتنوعون بمقدار تنوع الأنشطة البشرية.. مثل الشركات الزراعية والصناعية والمصارف وقطاعات التعدين والنفط وشركات تصنيع السلاح والشخصيات المعارضة لاجندة واهداف خاصة… وصولا إلى الدول التي تحظى بدورها بلوبيات تقوم بالدفاع عن مصالحها في واشنطن، وربما يكون من أشهر تلك اللوبيات تجمع «أيباك» المؤيد لإسرائيل…

تصعيد المواقف..
في خطوة تصعيدية لحملة الناشطين الحقوقيين السودانيين الأمريكان لإبقاء العقوبات الأمريكية سلم الناشطون مذكرة مطلبية لـ 14 من الاعضاء المؤثرين بالكونغرس الامريكي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي قبل صدور القرار بـ«24» ساعة… مطالبين الكونغرس بضرورة الضغط على الإدارة الامريكية لإبقاء العقوبات.. كما نظم الناشطون تظاهرة امام البيت الأبيض ومن ثم لقاء تفاكريا بجامعة جورج ميسون.

لغة المصالح…
جاءت افادات مدير مركز صنع القرار الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية د. احمد حسن احمد متوافقة مع ما ذكره هارون… حيث قال: يوجد الان من هم اقوى من جماعات الضغط واللوبيات في اعضاء الكونغرس الذين يهاجمون الان جماعات الضغط لاكتشافهم مؤخراً كما كتب مقال اثنين من جماعات الكونغرس«جمهوري ـ ديموقراطي» ضد من يقود الحملة ضد السودان كريفرز مؤكدين ان هؤلاء منتفعين من مهاجمة السودان .. واضاف المتابع للامر يعلم جيدا ان اناسا من داخل الولايات المتحدة اكتشفوا ذلك بعد المباحثات التي اجرتها قيادات ورموز سودانية كلقاءات وزير الخارجية ورئيس البرلمان ووزير الدولة برئاسة الجمهورية والاجتماعات الامنية المتلاحقة اوصلت اشخاص نافذين اقوى من الاشخاص الذين يقودون الحملة ضد السودان وهاجموهم، وهذا مكسب كبير للدبلوماسية السودانية بإقناع اشخاص نافذين في مستوى الكونغرس بقول حديث مثل هذا ، ونعلم ان الدول لا صداقات دائمة لها لكن لديها مصالح دائمة، وهم الان يرون ان مصالحهم الان في العودة للسودان وفاتهم الكثير جدا من الخير الذي يمكن ان يجدوه لولا العقوبات.

المسارات الخمسة…
اكد السفير خضر هارون ان نتائج النقاش في الكونغرس اقرت ايفاء السودان بالمسارات.. وتحدثوا حول امرين ليسا شرطين وهما مساندة السودان للاسرة الدولية في محاصرة كوريا الشمالية …بالاضافة الى ملف حقوق الانسان، والسفير ادريس الجزائري اصدر شهادة براءة للسودان ..مضيفاً لاتوجد الان ارضية تستند عليها اللوبيات ..ودعا هارون الحكومة ووزارة الخارجية للعمل في خطوات سريعة بتقوية العلاقة مع دول لديها الرغبة في الاستثمار بالسودان مثل الهند والبرازيل واليابان … بالاضافة الى التحرك على المستوى الدولي بالغاء الديون الخارجية… مشيراً الى ان تطبيع العلاقات مع واشنطن يعني تطبيعها مع شركائها وحلفائها في المنطقة…وينهي قرار رفع العقوبات بشكل دائم الحظر الاقتصادي الأميركي على السودان.. ويزيل القيود المفروضة منذ فترة طويلة على التجارة والمعاملات المالية. وسيسمح للخرطوم بالاستفادة من صناعات النفط والغاز..

سابقة دولية..
تشكل لاول مرة على المستوى العالمي «كوكس» برلماني خاص بدولة واحدة.. كان للسودان في العام 2005م…و«كوكس» المشار إليه كان يضم أربعة من الأعضاء الذين يصنفون في قائمة الصقور… فرانك وولف «الجمهوري» وونالدباين «الديمقراطي» ومياكل كادونو «الديمقراطي» وتوم تانكريدو «الجمهوري»… إن القاسم المشترك بين الرجال الأربعة هو يمينيتهم وقربهم من دوائر النفوذ الكنسي، ووجدت هذه التشكيلة الدعم والمساندة من جماعات أخرى مثل اللوبي المؤيد لإسرائيل واللوبي الآخر الذي يضم عدداً من أعضاء الكونغرس ومجلس النواب الأميركي الذين ينحدرون من أميركيين أفارقة على أساس ما يتردد من أن في السودان تطهيراً عرقياً يمارسه المنتمون للعرب ضد من ينحدرون من أصول أفريقية زنجية وقتها.

سباق الوقت…
بدأ الان سباق كسب الوقت بين الخرطوم وخصومها… فقد نشطت اللوبيات البارزة في ممارسة ضغوط كبيرة على الدوائر الرسمية منذ قرار باراك أوباما رفع العقوبات عن السودان في آخر أيام ولايته… ومع ذلك لم تستطع دفع الإدارة الأميركية لتبنى وجهات نظرها المتشددة تجاه السودان… ورغم عدم وجود لوبي قوي في واشنطن داعم للخرطوم الا ان الحكمة الدبلوماسية في التعامل مع الموقف اظهرت مؤخرا ملامح تشكل «لوبي» مؤيد لها قوامه مسؤولون سابقون.. وباحثون… أظهروا مواقف داعمة لرفع العقوبات عن السودان وشكلوا صوتا موازنا للأصوات المناهضة للخرطوم في واشنطن… فهل ستصمت الاصوات المناوئة وتتحكم في «تهورها»؟…

الصحافة