رفع العقوبات .. الصفقة السرية!
حملت صحف يوم أمس عناوين تتعلق بقرار رفع العقوبات، الصادرة بقرارات تنفيذية كما يلي (بكري: لامبرر للاتكاء بعد رفع العقوبات، بنك السودان: رفع الحظر يعني الاندماج مع العالم، ايلا: رفع الحصار سيكون بداية نهضة السودان، مدير الجمارك: توقع تدفق (كميات) كبيرة من الاستثمارات الأمريكية، حميدة: يتوقع انفراجاً في المجال الصحي بعد رفع العقوبات، الأمم المتحدة: ترحب برفع العقوبات، حميدتي: رفع العقوبات حافز لمكافحة الهجرة غير الشرعية، رئاسة الجمهورية: شكر الخليج، أمريكا: استبعاد حدوث انتكاسة في العلاقات،، الفريق طه: أنا أول من ابلغت البشير برفع العقوبات، شركات أمريكية ترصد ( ۱۰ ) مليار دولار للاستثمار في السودان، الدولار يتراجع، السفير البريطاني: سعيد جداً برفع العقوبات، علي محمود: رفع العقوبات مطر ونزل علينا، إبراهيم محمود: الوطني مهووس بخدمة المواطنين).
هذا جزء يسير من بعض عناوين ثلاثة صحف فقط، ولعل أهمها خبر علي محمود (رفع العقوبات مطر ونزل علينا). تصريحات كثيفة من كبار المسئولين الاتحاديين والولائيين وحتى الشخصيات الوطنية، وكل يغني على ليلاه، الهيئة التشريعية القومية ستعقد جلسة طارئة للتداول حول القرار.. و لا تجد من بين هذه التصريحات للمسؤلين من أعلن للمواطنين (المكتسبات) التي ستعود عليهم وتنعكس مباشرة على معاشهم، وهذا ربما يفسر عدم الاكتراث الذي قابل به المواطنون القرار، ولعل المواطنين يتحسرون على تسعة أشهر مضت على هذا القرار، الذي كان سارياً منذ أن أصدره الرئيس أوباما في نهاية العام الماضي لمدة ستة أشهر وجدده الرئيس ترامب ثلاثة أشهر، ورفع الآن بشكل نهائي ولكنه سيخضع للمراقبة، والتأكد من استمرار الحكومة في تحسين سجل حقوق الإنسان وضمان الحريات والوصول الى سلام في مناطق النزاعات، هل هناك احساس لدى أي من المسؤولين انهم أضاعوا تسعة أشهر ولم يتخذوا أي اجراءات للتعامل مع القرار؟ أما قانون ضم السودان للدول الراعية للإرهاب، وقوانين سلام دارفور
وسلام السودان، فلا مساس بها..
القائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم قال: (إن السودان يعلم ماهو مطلوب منه لحذفه من قائمة الدول الراعية للإرهاب) وأضاف (ان بلاده لديها ادوات ستستخدمها في حال تقاعس السودان عن مواصلة العمل الجيد مع أمريكا).. وهذه هي العصا. القرار له حيثيات بعضها أعلن وبعضها في ثنايا تصريحات المسؤولين الأمريكيين، ومن بينها (التزام السودان بقرارات مجلس الأمن الخاصة بكوريا الشمالية وتاكيد عدم شراء أسلحة منها)، وفي إجابة للناطق باسم الخارجية الأمريكية حول حكم المحكمة الفدرالية بتعويض ضحايات البارجة الأمريكية (كول) بمبلغ ( ۳۱٥ ) مليون دولار قال (إنهم أوضحوا للطرف السوداني بأن هذه احكام قضائية يجب الالتزام بها)، وهي لغة دبلوماسية رفيعة تعني أدفعوا بالتي هي أحسن، وهي تلك المحاكمة التي لم يحضرها ممثل لحكومة السودان أو يترافع فيها وصدر الحكم غيابياً، وربما هناك مفاوضات تمت حول الأحكام الصادرة في مواجهة الحكومة في قضية تفجير السفارتين في تنزانيا ونيروبي وهي ربما تصل الى سبعة مليار دولار.
ففي الوقت الذي صدرت فيه هذه الأحكام في غياب الحكومة، وكان من الممكن للرئيس الأمريكى ممارسة صلاحياته في إبطال الأحكام للمصلحة العامة، مثلما طلب إبطال حكم تعويض مصنع الشفاء الذي قصفته أمريكا، وفي الوقت الذي ينتظر الشعب السوداني ثمرات القرار، يبدوا أن الجبل سيلد فأراً.
أحاديث راجت في فترات سابقة عن دور للسودان في قوات أفريكوم، و ربما تسهيلات وقواعد عسكرية، تسمى قواعد محاربة الإرهاب الذي انخرطت فيه حكومتنا حتى النخاع، هذا بعض حديث ربما يفسر الفقرة الواردة في القرار حول (استجابة الحكومة السودانية للأولويات التي تراها الإدارة الأمريكية، بما في ذلك توسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية، وتحسين ممارسات حقوق الإنسان، وكفالة الحريات الدينية)، صمت الحكومة لن يفيد، فلن تمضي أيام وتتكشف الحقائق، وسترى الحكومة ان من الأفضل كان الإبقاء على العقوبات، ولم يأت بعد آوان الحديث عن رفع القرارات الأخرى، هذه ليست الجذرة والعصا، هذه عصا فحسب، وعلى نفسها جنت براقش.
ماوراء الخبر – محمد وداعة
صحيفة الجريدة