منوعات

هل انتهت “موضة” موقع صراحة؟


لم تترك شبكة فيسبوك الاجتماعية مجالًا إلا وخاضت فيه، فمن نشر الحالة إلى مُشاركة الصور ومقاطع الفيديو، مرورًا بالمحادثات الفورية وصولًا إلى التسوّق الإلكتروني وتقديم الدعم الفنّي الخاص بالشركات، وكُل هذا في تطبيق واحد تقريبًا.
ذلك لم يمنع زين العابدين توفيق من تحويل فكرته إلى تطبيق حقيقي حمل اسم صراحة(1)، التطبيق الذي يسمح بترك نقد بنّاء للأشخاص دون الكشف عن هوية كاتب النقد، وهذا أملًا في التخلّص من المشاكل التي قد تُحدثها المُصارحة على العلن، وفي محاولة لدفع الجميع للتحسّن خصوصًا في الشركات ومؤسّسات الدولة
في ظل كثرة تطبيقات المحادثات الفورية والشبكات الاجتماعية المُتنوعة على غرار”واتس آب”، و”سناب شات”، و”سوارم” (Swarm)، دون نسيان تويتر وفيسبوك، تبدو الفرصة شبه معدومة للأفكار الجديدة إذا لم تدخل السباق بنفس مستوى جودة الأسماء السابقة. إلا أن تطبيق صراحة نجح في شق طريقه بنجاح بعيدًا عن التكلّف والتصنّع، مُتّبعًا مبدأ البساطة قبل كل شيء.
رأى التطبيق النور بعيدًا عن الضجيج الإعلامي في البداية، لكن فكرته البسيطة والمُميّزة ساهمت في انتشاره بالتدريج في دول الخليج ثم في بلاد الشام، قبل أن يصل إلى شمال أفريقيا ومن بعدها إلى بقيّة دول العالم، الأمر الذي دفعه لتصدّر قوائم أكثر التطبيقات تحميلًا في متجر تطبيقات آبل “آب ستور” (App Store) دافعًا مُعظم المواقع التقنية الأجنبية للكتابة عنه وتحليله على اعتباره واحدًا من أنجح التطبيقات في الآونة الأخيرة بعد سنوات من التغنّي بنجاحات “أنستغرام” أو “تيليجرام” على سبيل المثال لا الحصر(2)(3).
ولمن لا يعرف صراحة، فهو تطبيق بسيط يسمح للمستخدم بإنشاء حساب والحصول على رابط خاص بحسابه لمشاركته عن طريق الشبكات الاجتماعية أو البريد الإلكتروني ليتثنّى للبقيّة كتابة آرائهم أو نقدهم لصاحب الحساب دون الكشف عن هوّيتهم، بحيث يكون صاحب الحساب فقط قادرًا على قراءة التعليقات الواردة لمحاولة تحليلها والاستفادة منها لو كانت بنّاءة. وبعد أن بدأت الفكرة كموقع، تحوّلت فيما بعد لتطبيق لهواتف “آيفون” ولتلك العاملة بنظام أندرويد أيضًا. كما يدعم اللغتين العربية والإنكليزية أيضًا، وهذا ساهم في وصوله للعالمية.
بحسب توفيق، تجاوز عدد مُستخدمي صراحة حاجز الـ 30 مليون مُستخدم مع وجود أكثر من 300 مليون رسالة مُصارحة متروكة في الموقع، وهي أرقام كبيرة جدًا بعد معرفة عدد مشاهدات الصفحات الذي تجاوز المليار(4). ولأن أعداء النجاح كثيرون، فإن الأصوات تعالت منذ البداية حول مدى مصداقية الموقع وآلية تخزين البيانات في قواعد البيانات، وأراد الجميع ضمانات حول إخفاء هويتهم عند كتابة مُصارحة لأي شخص. وهو أمر لم يُهمله توفيق الذي أكّد أكثر من مرّة أن الموقع لا يحتفظ ببيانات كاتبي الرسائل ويحرص على إبقاء هوّيتهم مخفيّة أيًا كانت الظروف.
وبعد تلك الصولات والجولات واجه التطبيق أول محنة حقيقية عندما رُصد جمعه لقائمة أسماء المُستخدمين على الهاتف الذكي وإرسالها لخوادم الشركة، الأمر الذي برّره صاحب التطبيق بأنه تحضيرًا لميّزة قادمة في المُستقبل للبحث عن الأصدقاء داخل التطبيق وترك مُصارحات على حساباتهم بصورة أسرع. ليعود فيما بعد ويؤكّد أن جميع سجّلات الأسماء تم حذفها من قواعد البيانات وتم تأجيل الميّزة على الأقل في الوقت الراهن(5).
على الرغم من قوّة الأرقام السابقة والانتشار الكبير للتطبيق، إلا أن فكرة نهايته دائمًا ما تكون واردة، فالبعض توقّع أن التطبيق مُجرّد موضة ستزول بعد فترة من الزمن، والبعض الآخر توقّع أن الحظ لعب دوره فقط لا غير، خصوصًا مع وجود الكثير من التطبيقات التي توفّر نفس الفكرة والتي أيضًا قفزت بسرعة لتعود وتختفي بعد فترة من الزمن. ذلك الكلام يبقى في علم الغيب، لكن هناك حقائق تقنية من تجارب حالية، وسابقة، يُمكن الاستفادة منها لتحليل بعض الأمور ورسم الطرق والوجهة التي تؤدّي إليها.
دائمًا ما تكون فكرة التطبيق هي الشرارة الأولى التي تدفع الجميع لاستخدامه، فتطبيق “سناب شات” مثلًا جاء بفكرة تبادل المحتوى ذاتي التدمير الذي يختفي بمجرد فتحه. أما تطبيق “سوارم”، “فور سكوير” (Foursquare) سابقًا، فهو جاء بفكرة تسجيل التواجد في موقع جغرافي ما ومشاركة الصور في ذلك المكان. أما تطبيق صراحة، فهو جاء بأداة تسمح بترك نقد بنّاء (مُصارحة) لأي مُستخدم قام بالتسجيل، الأمر الذي يُمكن تشبيهه بطاقة كامنة يتم تفريغها عبر تلك الأداة.
سيلجأ المستخدم العادي للتطبيق كُلّما رأى رابطًا لحساب أحد الأصدقاء أو الشخصيات العامّة على صراحة، بحيث يقول له ما يجول في خاطره. إلا أن ذلك الشخص لن يكون قادرًا على الرد بشكل مُباشر ويحتاج لاستخدام أحد حساباته على الشبكات الاجتماعية للقيام بذلك، الأمر الذي يعني عدم وجود حلقة تواصل مُباشرة بين الكاتب وصاحب الحساب، فحتى لو كانت هوّية الكاتب مجهولة كان من الأجدر وجود إمكانية للرد عليه بشكل مُباشر للعودة في وقت لاحق والاطّلاع على ردّ أو وجهة نظر صاحب الحساب على هذا الأمر.
ذلك يفتح بدوره المجال لمُشكلة أُخرى تتمثّل بخصوصية الرسائل الواردة التي تبقى مخفيّة ولا تظهر سوى لصاحب الحساب، الأمر الذي لن يجد المُستخدمون متعة فيه في ظل الشبكات الاجتماعية الكثيرة التي تظهر فيها المشاركات لمجموعة من الأصدقاء على الأقل. بمعنى آخر، يجب التركيز على التجربة الاجتماعية (Socialize) التي تُعتبر من أهم الأمور في بناء التطبيقات في العصر الحديث، وهي نُقطة يُركّز عليها روّاد الأعمال والمُستثمرون.
ظاهرة التخفّي، أو عدم وجود حلقة تواصل مُباشرة بين الكاتب وصاحب الحساب يُمكن تناولها من زاوية أُخرى عبر دراسات أُجريت على شبكات مثل فيسبوك، وهي دراسات خلصت إلى أن المستخدم يشعر بالسعادة عندما تحصد مشاركته على الشبكات الاجتماعية تفاعلًا أكبر(6). وهذا أمر يُمكن رصده أيضًا بالنظر إلى الخدمات التي تُباع على الإنترنت للحصول على مُتابعين أكثر، أو على إعجابات ومشاهدات أعلى على الصور ومقاطع الفيديو، ولا يجب نسيان مزارع تسجيل الإعجاب التي تم ضبطها في الصين والتي تجني ملايين الدولارات سنويًا(7)(8). هذا يعني أن المستخدم قد يشعر بالملل من تلك الطاقة الكامنة بعد تفريغها أكثر من مرّة دون وجود شيء جديد، وهذا ليس بسبب الفطرة فقط، بل بسبب صيحة تعوّد المستخدمون عليها بعد استخدام شبكات مثل فيسبوك أو انستغرام.
وبغض الطرف قليلًا عن قضيّة صراحة، فإن المنافسة بين “أنستغرام” و”سناب شات” في خاصيّة الحكايات تُظهر الرغبة في الظهور دائمًا أمام الناس، فعدد مُستخدمي الحكايات على انستغرام تجاوز 250 مليون يوميًا، في وقت وصل فيه عدد مُستخدمي نفس الميّزة على “سناب شات” إلى 166 مليون على الرغم من كونه صاحب الفكرة الأساسية(9). لكن مشاركة المحتوى ذاتي التدمير مع شريحة أكبر من المُستخدمين أفضل بكثير من حصره في قائمة الأصدقاء المحدودة في “سناب شات”، على الأقل هذا ما تُبرزه الأرقام. وبعيدًا عن حلقة التواصل المُباشر بين الكاتب وصاحب الحساب، هناك عامل هام جدًا تلجأ إليه تطبيقات مثل “سوارم” أو “سناب شات” يتمثّل بتوفير تنافسية الألعاب (Gamification) داخل التطبيق، فمع كل مُشاركة وتفاعل في تلك التطبيقات يحصل المستخدم على نقاط جديدة وإنجازات وأوسمة مُختلفة، قد لا يكون لها معنى في الحياة الحقيقية، إلا أنها قادرة على إنشاء نوع من التنافس بين المُستخدمين، الأمر الذي يفتقر إليه تطبيق صراحة كذلك.
من الظلم اعتماد الشبكات الاجتماعية وتطبيقات العقد الأخير على أنها المعيار الأوحد لتقدير وتقييم التطبيقات في الوقت الراهن، وهذا يدفعنا للعودة بالزمن إلى فترة المنتديات التي كان المستخدمون فيها أيضًا يكتبون دون الكشف عن هوّيتهم باسم مُستعار بنسبة كبيرة، فهي كانت الصيحة في ذلك الوقت. الجميع كان يُساهم ويسعى للمساهمة لأكثر من سبب أهمّها الحصول على نقاط أكثر لتزداد شعبية العضو مع مرور الوقت ويحصل على ترقيات إما آلية عبر نظام المُنتدى، أو من قبل المُشرفين، الأمر الذي يُشعر صاحبه بإنجاز رقمي يحثّه على الاستمرار.
ما سبق لا يعني أن تطبيق صراحة فاشل، أو أنه في طريقه للفشل، فهو من التطبيقات العربية النادرة التي أثبتت نفسها على الساحة العربية أولًا، والعالمية ثانيًا، الأمر الذي يدفعنا للفخر بوجود مثل تلك الطاقات. لكن وفي ذات الوقت لم تنجح فيسبوك مثلًا لأنها قدّمت فكرة جديدة، بل لأنها حرصت على التطوير باستمرار وتجربة الميّزات الجديدة، وهو أمر يجب أن يتم في صراحة دون خوف، لكن بقليل من الحذر.
ماذا لو مثلًا وفّر التطبيق نظاما للنقاط بحيث يُمكن بعد جمع عدد مُعيّن معرفة الموقع الجغرافي لكاتب أحد الانتقادات. أو مثلًا تقديم خاصيّة تسمح لكاتب النقد بإخفاء موقعه الجغرافي بالكامل لقاء التفريط ببعض النقاط التي قام بجمعها؟ بهذه الحالة سيسعى الجميع للمشاركة في الموقع وترك نقد بنّاء للحصول على امتيازات جديدة باستمرار.
بين الواقع والخيال هناك حقيقة واحدة تقول إن صراحة وصل من أيادٍ عربية للعالمية، وهذا بدوره أمل لأي رائد أعمال عربي يرغب في دخول هذا المجال. فالبداية من الفكرة المُميّزة ثم التنفيذ البسيط الذي يخدم الفكرة ويُخرجها بالشكل الأمثل، لتأتي بعد ذلك جهود وأيادي المُستثمرين لرفعها وتحويل الحلم لحقيق