الصادق الرزيقي

إعلان بلفور


مرت الذكرى المئوية لإعلان بلفور، الذي قررت بموجبه المملكة المتحدة او الإمبراطورية البريطانية التي كانت في ذلك الحين تشهد بداية النهاية لغروب شمسها التي كانت لا تغرب عن مستعمراتها، قررت إعطاء فلسطين بلد الإسراء وبيت المقدس لتكون وطناً لليهود..

> وشاع كمصطلح سياسي لفظ (وعد بلفور ). وهو التصريح الذي أعلنه آرثر جيمس بلفور وزير خارجية بريطانيا العظمى عبر رسالة أرسلها الى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد أحد أكبر زعماء اليوم في بريطانيا وعميد الفرع الإنجليزي لعائلة روتشيلد اليهودية الشهيرة التي تحكمت في عالم المال والأعمال والمصارف والسياسة وتجارة الذهب في عدد من البلدان الأوروبية، وتُعد من أشهر العائلات التي تحكمت في مصير العالم منذ ظهورها قبل قرنين تقريباً ولاتزال .

> تضمنت رسالة بلفور التي أرسلها للورد روتشيلد في الثاني من نوفمبر ١٩١٧م ، تعهداً من الحكومة البريطانية بالوقوف مع اليهود ودعمهم لإقامة وطن لهم في فلسطين المحتلة ، وكان عدد اليهود الذين تسللوا ليستقروا في الأرض الفلسطينية آنذاك اقل لكثير من 50% من سكانها، وسبقت الرسالة اجتماعات للورد روتشيلد وجاييم وايزمان رئيس الحركة الصيونية آنذاك وأول رئيس للكيان الصهيوني عند قيامه سنة ١٩٤٨ أي بعد ٣١ سنة من إعلان ورسالة بلفور .

ونص الرسالة قصير لكنه غيَّر مجرى التاريخ وهو كما يلي :

( وزارة الخارجية
في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1917
عزيزي اللورد روتشيلد
يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:
«إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر».

وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح.

المخلص/ آرثر جيمس بلفور
بعد هذه الكلمات القصيرات انطلقت الحركة الصهيونية العالمية لاغتصاب أرض كاملة وانتزاع وطن من أهله ، وسهلت الحكومة البريطانية عملية احتلال فلسطين. ويذكر التاريخ الدور الكبير الذي قام به المندوب البريطاني السامي في فلسطين اللورد أدوارد اللنبيوالسلطة البريطانية وجيشها في دعم العصابات اليهودية ، والصهيونية وتسهيل احتلال فلسطين وزرع النبتة الشيطانية السامة والمحرمة في التراب المقدس .
لولا أن الطوائف والكيانات العربية والمشيخات التي كانت قائمة يومئذ ضعيفة ومنهكة ومتصارعة وتعيش أوهام القوى الاستعمارية التي وعدت هذه الزعامات العربية بتوزيع وتمليك أسلاب الإمبراطورية العثمانية عليها بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وكانت المؤامرة تُحاك ضد الأستانة ويلف الحبل حول رقبتها آنئذ .
ما أشبه الليلة بالبارحة! فما تعيشه منطقتنا العربية وشعوبها هو ذات حالة الضعف والهوان والتمزق الذي مهد لإعلان بلفور وقيام إسرائيل في قلب العالم العربي ، فلولا تلك الحالة الخائنة لما كانت هذه الدويلة ولما استطاع وزير خارجية حكومة الملك جورج الخامس إصدار تصريحه وجعل فلسطين وطناً قومياً لليهود .

من أجل تصحيح الحاضر لابد من تصحيح الماضي ونحن نستحضر ذكرى مرور مائة سنة على هذه الكارثة ، فهو لم يكن وعداً كما نفهم نحن من صياغة المصطلح كما نحتته العقلية الصهيونية في وجداننا وعقولنا على مدى مائة عام، فالترجمة الصحيحة هي إعلان كما ورد في تسميته الرسمية في الوثائق البريطانية المؤمن يعطى وعداً يملك حقاً وبريطانيا كانت دولة احتلال لا تملك حقاً لتعطيه جهة أخرى لا تستحقه وكان اليهود حفنة من العصابات والتجار والسماسرة والمرتزقة الصهاينة يحملون أفكاراً وخرافات صهيونية وجدوا في غفلة من التاريخ من يستمع إليهم ويعطيهم وطناً .
إن مائة عام متزامنة مع مرور مائة عام أخرى مرت العام الفائت على اتفاقية سايكس بيكو، هي أبلغ دليل على أن المؤامرة كانت واحدة، ومصدرها وهدفها واحد .

من الضروري أن تنتبه وسائل الإعلام العربية لخطورة المصطلحات وعدم استخدامها والترويج لها حتى لا يتم تغبيش عقول الأجيال العربية لمائة عام أخرى كما فعلوا من قبل ..

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة