مقالات متنوعة

مسؤول في إجازة مفتوحة


* يحضرني هذه الأيام ومع أزمة مياه الشرب والنفايات المتكدسة، تحقيقاً صحفياً أجرته إحدى إشراقات الصحافة السودانية قبل سنوات، وينطبق فيه الحال تماماً مع ما يحدث حالياً في المناطق المهمشة داخل العاصمة والتي تنعدم الخدمات فيها بشكل ملحوظ حتى يخيل إليك إن سكان هذه المناطق خارج نطاق الزمن.
* وتعتبر المياه مشكلة أساسية في كل تلك المناطق، إذ يصل سعر البرميل لأكثر من 40 جنيهاً، بينما تنقطع تماماً علاقة السكان بالكهرباء تحت ذريعة أن هذه المنطقة تفتقد للتخطيط، وهنا يأت دور السماسرة والتجار والذين تربطهم علاقات مريبة بنافذين في المحليات التابعين لها جغرافيا، بتوفير مولدات توصيلة التلفزيون بـ(20) جنيه و(اللمبة) الأسبوع بـ(20) جنيه، وهكذا.

* تجارة الجسد واحدة من أكثر أنواع التجارة رواجاً، رغم (رخص أسعارها)، وهو الشيء الذي أدى لزيادة معدلات الأطفال مجهولي الأبوين، إذ تشير الاحصائيات الى زيادة مخيفة في أعداد عصابات النيقرز والتي في العادة يكون أعضاؤها من الأطفال مجهولي الأبوين وفاقدي السند، حيث يشكلون مصدر خطر يستحيل معه العيش في هذه المنطقة بدون سلاح أبيض على أقل تقدير.
* واقع هذه المناطق وتعدادها السكاني يفوق عشرات المرات تعداد سكان المدن بالعاصمة نفسها، ولكن لأن تمركز الحكومة وسكن مسؤوليها داخل مربعات العز والنعيم، كان لابد من توفر الخدمات هنا، وإنعدامها هناك.

* وهو ما يؤكد أننا في دولة أبعد ما تكون عن الإسلام، بعد أن تجرد مسؤوليها من إنسانيتهم ومنحوا ضمائرهم إجازة مفتوحة.
* يحدث هذا في بلادي ولا زال البعض يتحدث عن إنخفاض معدلات التضخم، والتحدث بثقة عن وصول التنمية الى أعلى معدلاتها.
* ولا زال العديد من المسؤولين يخرجون ألسنتهم ساخرين من المواطن بعد أن تم إستلاب لسانه مهللين مكبرين بافتتاح المساجد والمدارس والمستشفيات، والقضاء على الظواهر السالبة، وهم أكبر فعل سالب في تاريخ السودان.
* وهم يهللون ويكبرون، ويكفرون الناس حسب أمزجتهم، ينسون حديث سيدنا عمر رضي الله عنه (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)؟!
* مواطن لا يجد أبسط مقومات الحياة يتم تسجيل إسمه ضمن مواطني المناطق التي تتمتع بكل الأساسيات، ويحدث ما يحدث بإسمه دون علمه.
* أطفال فاقدي الهوية، يعيشون في أحياء طرفية دون أُسرة تعيلهم، ودون مأوى، فلجأوا للمجاري لتأويهم بعد أن لفظهم المجتمع، فكان من الطبيعي انتشار الجريمة والعطالة والجهل والمرض؟!!

* الحقوق الأساسية للمواطن يتم شراؤها من سوق الله أكبر، والمشتري هو المسؤول المتمتع بخيرات المواطن.
* من يمكن أن ينقذ هؤلاء المظلومين ويجيرهم من ظلم الراعي؟!
* من من المسؤولين يمكن أن يكون أكثر وعياً ليقوم بزيارة هذه المناطق المهمشة ويقوم بعكسها بجلاء ومعالجة ما يمكن معالجته، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل تحرك براكين الغضب داخل مواطن الهامش، وعندها لن نجد من يطفئ حريق الغبن لأنه سيقضي حتماً على الأخضر واليابس.

بلا حدود – هنادي الصديق
صحيفة الجريدة