مقالات متنوعة

قانون.. خنق الصحافة


نص الدستور السوداني في المادة الأولى على أن (جمهورية السودان دولة ديمقراطية، تلتزم الدولة باحترام حقوق الإنسان، وتؤسس على العدالة والمساواة والارتقاء بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية)، وجاء في المادة (3) إن الدستور هو القانون الأعلى للبلاد وتتوافق معه الدساتير الولائية وجميع القوانين)، وجاء في المادة (27) تنظم التشريعات الحقوق والحريات المضمنة في وثيقة الحقوق ولا تصادرها أو تنتقص منها.

كما جاءت المادة (39) /1 لتقرأ (لكل مواطن حق لا يقيد في حرية التعبير، وتلقي ونشر المعلومات والمطبوعات والوصول للصحافة دون مساس بالنظام والسلامة والأخلاق العامة، وذلك وفقاً لما يحدده القانون، الفقرة (2) من نفس المادة اشتملت على (تكفل الدولة حرية الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى وفقاً لما ينظمه القانون في مجتمع ديمقراطي)، ونصت المادة (48) على (مع مراعاة المادة (211) لا يجوز الانتقاص من الحقوق والحريات المنصوص عليها في وثيقة الحقوق، وتصون المحكمة الدستورية والمحاكم المختصة، وتراقب مفوضية حقوق الإنسان تطبيقها في الدولة وفقاً للمادة 142).

في بادرة حسنة دعى الاتحاد العام للصحفيين السودانيين لفيف من الإعلاميين والمهتمين الى اجتماع لمناقشة مشروع قانون الصحافة الجديد، الذي اشتمل على مواد لو تمت إجازتها فهي تعدي وانقلاب كامل على الدستور، كما يتضح ذلك من المواد الدستورية الحاكمة عاليه، فجاء حديث العديد من القيادات الإعلامية مناهضاً لمشروع القانون، وذهب أكثرية المتحدثين الى ضرورة رفض القانون جملة وتفصيلاً والتقدم بقانون جديد يمثل رؤية الصحفيين في إطار الالتزام بالممارسة المهنية باعتبار الصحافة سلطة رابعة، وجاء حديث رئيس الاتحاد واضحاً في التعبير عن رفض مشروع القانون والتبرؤ منه، نافياً مشاركتهم في صياغته وإعداده، معلناً رفضه للقانون على قاعدة انه قانون للعقوبات وليس قانون للصحافة، مبدياً استغرابه لإضافة ممثل لكل من المرأة واتحاد أصحاب العمل واتحاد العمال لعضوية مجلس الصحافة، مع تقليل ممثلي الاتحاد من 8 الى 7، بالإضافة الى تعديل العقوبات لتشمل إيقاف الصحفي عن الكتابة للمدة التي يراها المجلس مناسبة، وتعليق صدور الصحيفة، وسحب الترخيص لمدة تصل الى ثلاثة أشهر.

واضح إن مشروع القانون يهدف الى تقنين خنق الصحافة والاجهاز على ما تبقى فيها من رمق، وذلك استعداداً لمرحلة تراها الحكومة استباقاً للأجواء المتوقعة بعد تعثر رفع العقوبات بالكامل، وتفاقم الأوضاع الاقتصادية بدلاً عن تحسنها، والتماساً لتكميم الأفواه ومنع الرأي الآخر عنوة، تمهيداً لإعداد المسرح لتعديل الدستور واستمرار الحزب الحاكم لدورة أخرى أو لمدى الحياة، و(الما عاجبو يشرب من البحر).
لا شك أنها فرصة جيدة للصحفيين للتعبير عن رفضهم لمشروع القانون، كما هي سانحة لتأكيد وحدة أكثرية الصحفيين ومناهضتهم لسياسة التضييق على الحريات، ومن لا يستطيع أن يدافع عن حريته لا يمكن له ادعاء الدفاع عن حرية الآخرين،

لعل كثيرين على اتفاق، من أن الاتحاد سيجد المساندة من جموع الصحفيين إن استمر متماسكاً ضد هذه التعديلات الجزافية، ورغم علمنا بأن الحزب الحاكم في وسعه تمرير هذه التعديلات مستخدماً أغلبية برلمانية مريحة، إلا أن الصحافة لديها مصداقيتها وقدرتها على قلب الطاولة على الحكومة بالاحتجاب عن الصدور، والامتناع عن نشر أخبار الحكومة في الصفحة الأولى كما يحدث الآن، كما أن الاتحاد في إمكانه أن يرفض شغل المقاعد المخصصة له في مجلس الصحافة، أما مجلس الصحافة فكان أفضل له أن يتخير مساندة الصحافة بدلاً عن ابداء سعادته بالقانون واستعداده لتطبيقه، هذا القانون يخنق الصحافة وسيشيعها الى مثواها الأخير مع تشريد مئات الصحفيين، وهو لن يفيد صحافة الحكومة، فهي في غرفة الإنعاش.

ماوراء الخبر – محمد وداعة
صحيفة الجريدة