تعديلات قانون الصحافة (3)
في إطار مناقشة التعديلات على قانون الصحافة، تتواصل اليوم الورش التي بدأت بورشة اتحاد الصحافيين يوم الأحد الماضي، بورشة تُعقد صباح اليوم بالمجلس القومي للصحافة والمطبوعات،
وهي فرصة جيدة للمجتمع الصحافي والإعلامي لمناقشة هذا القانون الذي يجابه حملة صحافية شرسة من أصحاب المصلحة الحقيقية وهم الصحافيون .
> مرد هذه الحلمة كما بينا في الحلقتين السابقتين، أن في القانون ما يُثير المخاوف من تضييق في الحريات الصحافية وهضم حقوق الصحافيين والتغوُّل على مساحة الحرية المتاحة في البلاد، والعيوب الظاهرة والبائنة في هيكلة وتنظيم المؤسسات التي تعمل على إدارة الشأن الصحافي، وثمَّة نقاط اختلاف بين القانون المراد تعديله والقوانين الأخرى التي صدرت من قبل في تعريف الصحافي وكيفية تطبيق القانون والجهات المناط بها تطبيقه، وهي مجلس الصحافة واتحاد الصحافيين والقضاء .
> لربما من فائدة من وضعوا تعديلات قانون الصحافة 2009 ليصبح هو القانون النافذ لسنة 2017 ، إن الشأن الصحافي في مهنة خطيرة مثل مهنة الصحافة لا يمكن ضبطه بمعزل على أساليب ووسائل أخرى وهي التي طورت الصحافة في أجزاء كبيرة من العالم، ووجدت الصحافة بيئتها لتتطور وتنمو في ظل احترام متبادل من المجتمع والدولة من جانب، والصحافة واحترامها لأخلاقيات مهنتها وقواعدها ومواثيق الشرف ومدونات السلوك المهني، لا شيء يعدل هذه المواثيق والمدونات في صناعة الفضاء القيمي للصحافة. فالقانون أداة للضبط والمعاقبة في كثير من الأحيان، لكنه ليس من وسائل تطوير الصحافة على الإطلاق، عبر القانون يتم تنظيم عمل المهنة ومؤسساتها المشرفة عليها والمتابعة لإدائها بغرض تقويمه وإصلاحه، بيد أنه لا غنى عن الالتزامات الأخلاقية المهنية والأعراف والتقاليد للصحافي في تشذيب الأداء الصحافي وتحسين الخدمة الصحافية المقدمة للمجتمع .
> هذا القانون المراد تعديله بكل مشمولات التعديل، لا يمكن أن يحقق ضبطاً للصحافة بنسبة مقدرة كما يظن، لأن المهنة في الأساس لا تقوم على مقيداته وموانعه الواردة فيه، إنما تقوم على الضمير المهني والمبادئ الأساسية التي من أجلها قامت الصحافة وحريتها، ومن الأفضل للمجتمع وصالحه العام وللدولة نفسها أن ينفتح هذا النقاش الهادف والعميق حول قضايا الصحافة وما يتعلق بها وتأثيراتها على المجتمع وعلى الدولة ، ومن العيب استتفاه دور الصحافة وأهميته كضلع رئيس من أضلاع الدولة الحديثة، ولأن دورها لا غنى عنه ولا يمكن تجاهله. تكون قوانين الصحافة في الغالب مثيرة للجدل ومحركة للنقاشات الطويلة والساخنة داخل المجتمعات .
> وحتى نتراضى على قانون جيد للصحافة، تكون فيه معادلة منصفة ما بين تكلعات الصحافيين في الحرية، ومخاوف المجتمع من انفلات هذه الحرية، فإذا كانت الحكومة تفكر وتصرح خاصة عندما تنتقد الأداء الصحافي، إنها بحاجة الى صحافة مثالية، يجب أن تكون هناك أيضاً حكومة مثالية، لا توجد صحافة جيدة وحكومة رديئة كما لا يمكن أن تكون هناك حكومة صالحة وطاهرة وصحافة خبيثة وموبوءة ونجسة، الصحافة تعبر عن المجتمع والدولة، ليست نسيج وحده أو جزيرة معزولة، المنطق الصحيح يقول إن الصحافة اذا صلحت، صلحت الحكومة، واذا ترقى المجتمع ارتقت معه الصحافة، نربأ نحن أن نكون في الحضيض، نحن مجتمع ذا قيم وأخلاق وفضائل يحترم الخصوصية والحرية، يجب إذن.. أن تكون صحافته مثله، وحكومته تشبهه وتتجلى فيها خصائصه .
> لذلك تعديلات القانون الجديد، لم يقبل بها المجتمع الصحافي لأنها صدمته صدمة قاسية بما ورد فيها من عقوبات مجحفة، وما جاء فيها من تخليط ومغالطات هيجت الساحة الصحافية وجعلتها عُرضة للتزيُّد السياسي والتكسُّب الأخرق من بعض الناشطين السياسيين، يتوجب علينا ألا نخرج من دائرة الموضوعية والنظر الدقيق والعميق لجدوى هذه التعديلات على القانون ومقصدها الأخير، هل ستؤدي الى الغرض والهدف الذي من أجله تم سن القانون؟ وهل ستسهم في تطوير مهنة الصحافة، أم تهوي بها في قاع صفصف ودرك سحيق؟ ..
> ليس من المتوقع عند الإجابة عن هذين السؤالين، تعليق الآمال وإشاعة الأماني عن تطور مهنة الصحافة ونهضتها وفق قانون يغلب ويضاعف من العقوبات ويقلل من المحفزات أو يعمل على تنظيم بوجه سليم. فالقانون غير مبرأ من العيوب وينبغي مناقشته بروح منفتحة ومتسامحة، وليس بتشنُّج وقلة زاد ومعرفة بمهنة مثل مهنة الصحافة..
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة