مقالات متنوعة

زيارة موسكو بأفكار جديدة


> أطرف موقف مر على العلاقات بين موسكو والخرطوم ..هو ما كان ضمن زيارة وزير الدفاع السوداني _حينها _اللواء ( المرفع )خالد حسن عباس إلى موسكو .. فقد كان في استقباله في المطار وزير الدفاع السوفيتي طبعا وكان عمره أكثر من ثمانين عاما ..أما وزير الدفاع السوداني خالد فقد كان عمره 33 عاما أو أقل ..وهو برتبة لواء ..

هذه هي الطرفة التي يستكمل بقيتها الخيال .
> ولعل ذلك كان مما يصنف كل دول إفريقيا بأنها _وقتها _كانت خصبة جدا لزراعة شجرة الزقوم الشيوعية فيها . وسقاية شبابها كأسات الحنظل الماركسي ..للاستعانة بالقارة في الحرب الباردة مع القطب الرأسمالي بقيادة واشنطن .
> ثم كل زيارات المسؤولين السودانيين قديماً وحديثاً إلى موسكو كان وما زال ثمارها الحقيقية الملموسة هي بضاعة سوق السلاح ..وكفاءة سوق الخبرات في الطيران والتعدين .. ونفس هذه الزيارة الأخيرة بوفد يرأسه الرئيس نفسه لذات هذه البضاعة والخبرات ..وقالها الرئيس بنفسه .
> وهنا لا نود أن نعرج على الإشارة إلى مستقبل سوريا ..فروسيا يمكنها أن تستمر مانعة بديلا للنظام البعثي الشيعي الطائفي ( الكيماوي )في دمشق ..مع أنها لا تستطيع مع حضور القوة الأمريكية المهاجرة إلى الوطن العربي منذ حرب الخليج وإطاحة صدام أن تمنع الانشقاقات عن دمشق مثلما فعلت كردستان ..وكان تأييد إسرائيل يعني بالضرورة تأييد واشنطن .
> وإسرائيل من حيث المبدأ ستؤيد ومعها ربتها واشنطن إقامة دولة سنية اضطرارية في سوريا مستقلة عن دمشق .. بل ستمهد لها من خلال واشنطن وكردستان ..وموسكو ستستمر مصالحها بعد ذلك دون أن تتضرر مناطق الأغلبية السنية في سوريا من إمطار نيرانها التي تدفع قيمتها إيران طبعا ..والعراق من برنامج النفط مقابل الغذاء ..والنفوذ الإيراني مقابل الوجود الأمريكي في العراق .
> أما بالنسبة للمصالح السودانية الروسية المتبادلة ..فإن السودان يقدم فرصة استثمار لدولة انهارت كعنصر معادلة دولية بسبب استهداف اقتصادها وتخريبه بواسطة الاستخبارات الأمريكية وجهود كونداليزا رايس وهي شابة سمراء أنيقة وذكية رغم أنها حفيدة للرقيق في بلادها ذات النظام الإقطاعي حتى الآن .. فهو قد تطور بعد قرار إبراهام لنكولن من النظام العبودي إلى الاقطاعي هذا ..ولا فرق كثير بينهما .
> لكن لو سلمنا بضرورة شراء الأسلحة التي يمكن أن يقف عليها وزير الدفاع .. وهو طبعا لم يعد في سن اللواء خالد آنذاك .. فهل الأفضل للاقتصاد السوداني أن يصدر الذهب الذي يستخرجه بشركات روسية وغيرها ..أم الأفضل تخزينه في البنك المركزي لتغطية الكتلة النقدية وحمايتها من التضخم وتراجع القيمة ؟
> إن إيقاف تصدير الذهب ينبغي أن يكون هو قرار الحكومة هنا ..حتى لا تعالج نتائج سوء استهلاك النقد الأجنبي وسوء الاستيراد وظاهرة التجنيب بعائداته .. فتكون البلاد قد فقد ت الاحتياطي الأهم .. ومعلوم أن الدول التي تشتري الذهب تريده للحفاظ كاحتياطي على قيمتها . فلماذا لا نفعل نحن ذلك وقيمة العملة الوطنية بنتائج سوء السياسات المالية تتراجع كل يوم ..وكل همنا سعر الصرف الموازي فقط ..وليس سعر الصرف الرسمي الذي تريد الحكومة مضطرة أن ترفعه من ستة عشر ألف جنيه تقريبا إلى 18 ألف جنيه بزعم أن ذلك سعر الصرف الجمركي .
> غندور أثار هناك في موسكو الحديث عن محاولات واشنطن لإيقاف تصدير الذهب ..مع أن إيقاف التصدير ينبغي أن يكون قرارا سودانيا وطنيا ..فواشنطن نيتها مكايدة السودان باستغلال جهله الاقتصادي المركب ..فالذهب للاستخراج وليس للتصدير طوال الوقت ..وبدون مقابل مدخلات وخام إنتاج .
> وهاهي مصر بها ثلاثمائة منجم ذهب .. مسؤول منها الجيش المصري بما فيها منجم حلايب الذي كان الاحتلال لها من أجله أصلا ..والجيش المصري والمخابرات يسرقان الذهب من الشعب عبر المطار إلى كندا وغيرها على مدى عقود من الزمان ..خاصة من منجم السكري وكريستال .
> وحينما يسأل سائل في المطار عن وجهة الذهب ..فإن الإجابة هي أنه يؤخذ للختم في كندا وواشنطن وغيرهما ثم يعاد ..لكنه لا يعاد ..ومع ذلك فإن الجنيه المصري أمام الدولار يتراجع ..وهو الآن ليس في قيمته الحقيقية . .فهو أقل من ذلك .
> السودان نعم ..فيه وزارة معادن وتضم مؤسسات منضبطة ماليا وإداريا ..لكن ينبغي أن توضح للرئاسة أن الذهب يستخرج من أحشاء الأرض ليكون احتياطيا في البنك المركزي ..فهو ليس مثل المعادن الأخرى ..وحتى هذه الأخرى ينبغي أن تصدر في شكل منتجات وليس خاماً ..ويمكن أن تجذب الدولة مزيدا من الاستثمارات للصناعات الثقيلة أو شبه الثقيلة ..وهذا أفضل من شركات ( التجميع )التي تستهلك النقد الأجنبي وفرق بين أسعار معروضاتها في معارضها وأسعار المستوردة مجمعة ..ولا أدري ما هي ضرورتها رغم الإعلام والتباهي الزائد .
> نعم ..روسيا كصديق اقتصادي فقط تبقى مكسبا إضافيا للسودان . لكن كسوق للذهب السوداني ..فيكون هذا أنانية من الحكومة .. وهي لا تهتم ولا تحافظ على احتياطي الأجيال القادمة ..وهي أجيال مسلمة في أغلبها وتحتاج بالطبع إلى مواردها حتى لا تهان وتذل من أعداء الأمة كما يفعلون بنا اليوم بسبب أنانية وغباء وخزي وعار الأجيال السابقة .
> لا بد من أن نكون اذكياء في إدارة اللعبة الاقتصادية ..فانظروا إلى ترمب كيف يلعب ..وقد تسبب في عودة عدد كبير جدا من المغتربين أو عودة أسرهم إلى البلاد بسبب الكارثة المالية التي فرضها فرضا على بعض اصدقائه ..المطلوب في العلاقات الدولية بعد اليوم الذكاء الاقتصادي .

خالد حسن كسلا – صحيفة الانتباهه.