الصادق الرزيقي

العلاقة مع روسيا (2)


> فتحت زيارة الرئيس عمر البشير رئيس الجمهورية إلى الاتحاد الروسي ولقاءاته مع الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف الاسبوع الماض،

أسئلة كثيرة حول التطورات الجارية في مواقف السودان من الهموم والقضايا الإقليمية والدولية والعلاقة المتأرجحة والمأزومة مع الولايات المتحدة الامريكية، ويلاحظ أن البعض إنساق للوهلة الأولى وراء تفسيرات وتأويلات للزيارة وتمخضاتها قد لا تتسق مع واقع الحال، فالعلاقة السودانية الروسية ليست وليدة اللحظة، وما طرحه السيد الرئيس في لقاءاته واجتماعاته في المنتجع الشتوي للرئيس بوتين في مدينة (سوتشي) وما تم من توقيع لاتفاقيات في مختلف مجالات التعاون، هو تتويج لتفاهمات واتفاقيات سابقة وترفيع للعلاقة إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية مع حليف دولي مهم بالنسبة للسودان.
> وكما ذكرناه هنا بالأمس، فإن علاقة السودان وصداقته القوية مع روسيا، طرحت فيها من قبل هذه الأفكار والمقترحات، وكانت كلها تنتظر زيارة السيد الرئيس لإعلانها وبدء تنفيذها، وأخيراً بعد أن أسند ملف العلاقة مع دول البريكس الذي يضم روسيا والصين والهند جنوب إفريقيا والبرازيل للدكتور عوض الجاز دبت الروح وبدأت تسري وتيرة العمل الدؤوب لتطوير وترقية العلاقات مع هذه الدول، وكان واضحاً أن العلاقة مع روسيا ستنتقل إلى طور جديد تتجاوز ما كانت عليه في السابق، والآن حاذ السودان على علاقة متينة وراسخة وفاعلة ونشطة ومنتجة مع دولتين هما عضوان دائمان في مجلس الأمن الدولي يملكان حق النقض، وفي ذات الوقت هما عنصران نشطان ومؤثران في السياسة الدولية، يمثلان خير ظهير لبلادنا في ساعات العسرة، وقد جربناهما في هذا الشأن في مواطن كثيرة خاصة في قضايانا في مجلس الأمن الدولي وآخرها موضوع خروج اليوناميد وقضية حظر تصدير الذهب، كما أن السودان كان خير صديق لروسيا وهو من بين عشر دول وقفت مع موسكو إبان الأزمة الأوكرانية وقضية جزيرة القرم في عام 2014م، وصوت لصالح روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما طرحت القضية أمام المنظمة الدولية.
> ليس هناك جديد يثير الدهشة أو الاستغراب في المحصلة التي انتهت عليها الزيارة أو ما طلبه السيد الرئيس من الصديق الروسي الحميم، فكانت فأصلاً هناك أطروحات تم التفاكر فيها من قبل، وأذكر هنا أنه في زيارة سابقة للدكتور نافع علي نافع عندما كان مساعداً لرئيس الجمهورية ونائباً لرئيس المؤتمر الوطني لموسكو قبل عدة سنوات، طرح موضوع القاعدة العسكرية الروسية وكيفية تطوير العلاقات العسكرية وإعادة تأهيل القوات المسلحة السودانية ودعمها بنظم تسليحية حديثة ودعم سلاح الطيران والدفاع الجوي، بالإضافة الى موضوع الطاقة النووية، وذكر الدكتور عوض الجاز مسؤول الملف قبل فترة قصيرة أن آفاق التعاون غير محدودة مع روسيا، وأشار فيها إلى نفس الجوانب التي تم فيها الاتفاق خلال زيارة السيد الرئيس التي انهاها اول من أمس.
> وفي السياسة الدولية والعلاقات بين الدول، تقوم الأحلاف والمحاور الدولية بين طرفين أو عدة أطراف، على تطابق كامل في الأهداف الاستراتيجية وفرص التعاون المشتركة وفق محددات واضحة، وقد توصل السودان وروسيا إلى هذا التطابق ولديهما الرغبة المتبادلة في تقديم أنموذج مثمر لهذا النوع من العلاقات فيه تبادل حقيقي للمنافع والمصالح من أجل تحقيق تطلعات الشعبين، فاذا كانت المنطقة العربية والإفريقية تشهد تطورات وتحولات وتغييرات مهمة وخطيرة ربما تقلب الموازين الدولية نفسها، فيتوجب ألا يكون السودان بعيداً عن بؤرة هذه التحولات حتى لا تجرفه السيول او تداهمه العواصف والزلازل، وتعرف القيادة السودانية جيداً ماذا تعنيه العلاقة الاستراتيجية مع روسيا؟
> ولا تخطئ العين على الإطلاق، أن دول المنطقة العربية التي تعيش حالات انتقال وتشهد تحولات ضخمة مبنية على نشوء ظروف وتحالفات جديدة قد تغير تركيبة المنطقة برمتها وتنسف قديمها، فلماذا ينتظر السودان حتى تهب الرياح؟ فمن حقه أن يختار اتجاهاته ويحدد خياراته التي أقلها البحث عن مصالحه الحقيقية ومنافعه الحيوية وما يضمن له استقراره وأمنه ودوره.

الصادق الرزيقي – صحيفة الانتباهه.