تحقيقات وتقارير

استبعد ترشُّح البشير في 2020م .. د. أمين حسن عمر.. الشاعر الرقيق والمفاوض الشرس


كثيف الشعر، وقليل نظم الشعر، أسوة بتصريحاته، ولكن التجربة أثبتت أن القيادي البارز في حزب المؤتمر الوطني، د. أمين حسن عمر، حين يتكلم في السياسة يضرب بيمينه فيفت عضد كثير من الآراء الهشة، كما لا يرعوي أن ينسف بمعوله شخوصاً ملء العين والبصر فيحيل رؤاهم إلى رماد تذروه الرياح.

ولذا يصف الساسة من أقرانه تصريحاته الخالية من التزويق بأنها (مساخة) بينما يأنس الصحافيون فيها جذوة نار في زمانات انطفأ فيها كل قول صريح. ولنفهم ملمحاً عن أمين، نذكر بأن ذات الزملاء الصحافيين الذاهبين لمحاورته في شأن ما، يشكون من حملهم على ضرورة (التترُّس) الجيد له، فمن أي ثغرة سينفذ الرجل إلى نقاط ضعفهم ويعقد محاكمة لهم وهم من يريدون محاكمته.

تصريحات أخيرة

على طريقته المعهودة في الوضوح والصراحة واصل القيادي بالمؤتمر الوطني، د. أمين حسن عمر إطلاق التصريحات الساخنة في شأن ترشح الرئيس عمر البشير، الترشح لولاية رئاسية جديدة (2020 – 2025) واستبعد نية البشير في الترشح مجدداً كون الدستور لا يسمح بذلك الأمر.

ومضى عمر إلى آخر الشوط، بالإشارة إلى أن دستور حزب المؤتمر الوطني نفسه لا يسمح بالترشح لأكثر من دورتين قبل أن يقول إن البشير عازم على التنحي وعدم الترشح مرة أخرى والعمل على تمتين الوحدة الوطنية.

في مطلع العام 2015م، وشورى الوطني تشهد حراكاً محموماً من أجل اختيار مرشح الحزب لخوض الانتخابات الرئاسية التي عقدت في ذات العام بعد انحصار التنافس بين البشير ونافع علي نافع وعلي عثمان محمد طه وبكري حسن صالح وإبراهيم غندور، وقتها كان لأمين حسن عمر رأي أكثر صراحة من حديثه الحالي، وقال أمين عمر في تصريحات صحفية حينها إن علي عثمان محمد طه مارس إكراهاً معنوياً على عضوية الوطني بغية التصويت لإعادة ترشيح البشير، بل كان يرى أن إعادة انتخاب البشير هزيمة لمشروع الإصلاح الذي أطلقه الحزب في 2013م بالتالي لم يستغرب البعض من تصريحات أمين الأخيرة التي قال فيها إن الدستور لا يسمح بترشيح البشير لدورة ثالثة.

سيرة ومسيرة

في خواتيم العام 1951م، أطل أمين حسن عمر على الوجود بمدنية الأبيض (عروس الرمال) ويقال عنه إنه التحق بالحزب الشيوعي إبان دراسته للمرحلة الأولية بمدينة عطبرة قبل أن يتحول بنسبة 180 درجة بعد دخوله جامعة الخرطوم حيث التحق بالتيار الإسلامي وصار من أبرز قيادات الحركة الإسلامية وصار علماً من أعلامها على مر السنوات التي مرت بها فكان الرجل من البارزين في التيار الإسلامي سواء كان في الحكم أو المعارضة، حيث زار المعتقلات السياسية إبان الحكم المايوي أكثر من مرة، ونال نصيبه من الاستوزار مرات مضاعفات، وارتبط اسمه كثيراً بملف دارفور التي لطالما قاد وفود الحكومة في بحثها عن السلام في الإقليم.

تلميذ محبب

يعتبر أمين حسن عمر من أبرز تلاميذ الترابي، وعمل لفترة وجيزة بمكتبه الخاص ورافقه في كثير من الرحلات الخارجية بل يعتبره كثيرون الأقرب للراحل حسن الترابي من نواحٍ فكرية، وأبرز من يُعبّر عنه شفاهة في المنابر الإعلامية، وعقب رحيله كتب أمين مرثية بمداد من الحزن ينعى فيها الشيخ الترابي، ولم يكتفِ بالنعي الموغل في الحزن، بل نافح الرجل باستماتة عن ورقة الحريات التي وضعها الترابي وعدد من القضايا الأخرى.

وكتب أمين أكثر من خمس حلقات بعنوان (المتهوم.. دفاعاً عن دكتور الترابي)، فصل من خلالها أمين عمر أفكار الترابي الموضوعة في ورقة الحريات بطريقة أثارت إعجاب الكثيرين، حدثني أحد الإسلاميين في وقت سابق أن أمين حسن عمر عقب المفاصلة الشهيرة اتخذ موقفاً محايداً وكان مندهشاً من تسارع الأحداث الدراماتيكية بين الإسلاميين ولم ينضم لصفوف القصر إلا بعد أن علم أن الترابي راض عن مواقفه السابقة.

كثير الاطلاع

يقول رئيس حزب التحرير والعدالة القومي د. التجاني سيسي، في أحد مجالسه إن د. أمين حسن عمر شخص واسع الاطلاع يسهر حتى الصباح من أجل الكتابة والاطلاع ، ويضيف: أمين زاهد في تناول الطعام ويدمن السهر يقضي كل وقته ما بين الحبر والأوراق، ويمضي السيسي: أمين يجيد إطلاق النكات ولاذع في نقده للآخرين.

صراحة ووضوح.

يبدو أن الترابط الكبير الذي جمع ما بين الترابي وأمين حسن عمر جعل الأخير يستفيد كثيراً من عراب الإسلاميين خاصة الصراحة والمبدئية التي كان يتمتع بها الترابي، لذا سار أمين على ذات النهج واتضح ذلك مؤخراً من خلال تصريحات قوية لا يجرؤ أحد غيره أن ينطق بها خاصة الجزئية المتعلقة بترشيح البشير، وهي ذات الجزئية التي يرفض كثير من قيادات الوطني الخوض فيها أو الحديث عنها، غير أن أمين ظل رأيه ثابتاً في مسألة ترشيح البشير، والمطالبة بعدم ترشّح البشير لدورة رئاسية جديدة.

قالوا عنه

حول الصراحة التي يتميز بها أمين حسن عمر ويهتدي بها في أقواله وأفعاله. يقول الكاتب الصحافي عبد الماجد عبد الحميد إن أمين نشأ في مدرسة تربوية ناقدة داخل الحركة الإسلامية جعلته قوي الحجة والبرهان وهو محسوب على التيار المثقف الذي يجاهر برأيه دون مواربة.

مضيفاً في حديثه لـ (الصيحة) إن د. أمين تلقى تربية إسلامية ناقدة، ثم جمع ما بين الفكر والسياسة ويخاطب واقعه بصورة مباشرة، لديه تجارب فكرية وسياسية وثقافية وهو من المتمردين على روح التنظيم.

ومضى عبد الحميد قائلاً: إن أمين حسن عمر نشأ مستقلاً وما زال كذلك، ودفع ثمن مجاهرته في بعض المواقف حيث أُبعِد كثيراً من المواقع المختلفة، وفي الوقت الحالي ليس لديه ما يخسره، لذا يقول رأيه دون خوف.

في المقابل يقول الكاتب الصحافي إسحاق أحمد فضل الله إن الإسلاميين عُرفوا بالصراحة، وأمين حسن عمر من أكثر الإسلاميين صراحة، وهو من الذين لا يتحدثون عن فراغ، لأنه سياسي متمرس وله حسابات سياسية مختلفة ولديه حجج قوية في كل ما يطرحه.

مضيفاً في حديثه لـ (الصيحة) بأن أمين عُرف بالصراحة منذ أن كان شيوعياً، وكان أكثر عنفاً إبان تواجده في الشيوعي، وواصل صراحته بعد دخوله الحركة الإسلامية.

ويواصل إسحق ويقول إن أمين حسن عمر يشبه أحمد سليمان المحامي في كثير من الصفات خاصة العنف السياسي. وختم بالقول إن تصريحات أمين ومطالبته بعدم ترشّح البشير لولاية جديدة أمر معلوم لدى الجميع، بمن فيهم الرئيس نفسه.

الخرطوم: عبد الرؤوف طه
صحيفة الصيحة