الصادق الرزيقي

هذه جبيت وقد بدت


قضينا سحابة نهار أمس في مدينة جبيت بالبحر الأحمر، في معية وزير الدفاع الفريق أول عوض بن عوف وعدد من وزراء ورؤساء أركان جيوش دول شرق إفريقيا ومساعد رئيس أركان الجيش البريطاني ووفود عسكرية أوروبية من النرويج وروسيا وتركيا وبلدان عربية،

بالإضافة إلى قيادات من وزارة الدفاع منهم الفريق أول علي سالم وزير الدولة بالدفاع، ومن القوات المسلحة رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق أول مهندس عماد عدوي ونائبه الفريق أول يحيى محمد خير، والعديد من القيادات العسكرية ومن قوات الشرطة، فضلاً عن الضيوف وسفراء بعض الدول الشقيقة والصديقة. كانت مدينة جبيت تحتضن المشروع التدريبي لقوات الاحتياط لدول شرق إفريقيا ( Eastern Africa Standby Force – EASF) وكان يوم أمس ختام التدريب الذي استمر لأسبوعين، وهو من أهم برامج التدريب التي تمت لهذه القوات منذ تأسيسها، وتشارك فيه دول المنظمة العسكرية الإفريقية الصاعدة وهي (جيبوتي، إثيوبيا، السودان، الصومال، كينيا، يوغندا، بورندي، رواندا، جزر القمر وسيشل).
> قبل الحديث عما شاهدناه يوم أمس في المناسبة العسكرية الكبيرة وهي حدث تاريخي عسكري عالمي شهدته بلادنا، يجب أن نعترف نحن الصحافيين بأننا لا نعرف الكثير عن وطننا ولا عن قدراتنا ومكانتنا بين الأمم وتفردنا في كثير من الجوانب والمجالات على محيطنا في الإقليم، كنا نسمع عن (جبيت) ومعسكر التدريب للضباط والمشاة، مجرد معلومات عامة بلا تفاصيل أو إضافات، وجل ما نتذكره هو قصيدة الشاعر الكبير يوسف مصطفى التني التي درسناها في المرحلة الابتدائية:
صحت الطبيعة فانتبه
ما بال عينيك ناعسة
هذه جبيت وقد بدت
في فتنة متجانسة
وهنا الأراك وعنده
قصص الغرام الدارسة
وهناك أسراب الغمام
على الرواسي جائسة
وخط الضباب نواصيا
منها فبانت عابسة
كالمقلة الوضفاء
بالدمع الحبيس محابسة
وطلائع الفجر الجديد
تتابعت متنافسة
جفت الطيور وكورها
وغصونها المتمايسة

> كنا صغاراً نحفظ هذه القصيدة، وعندما زرناها بالأمس كباراً، كانت جبيت صورة أخرى وعالماً لم نكن نتصوره، طبيعتها وجبالها وغمامها وضبابها كان هو، لكن لم نكن نعلم أن بها واحداً من أضخم معاهد ومراكز التدريب العسكرية التي سبق بها السودان أقرانه وأترابه من أقطار المنطقة وربما دولاً عديدة في عالمنا الفسيح، بين الجبال الشاهقة والروابي والوديان الخفيضة، تقع جبيت، وتوزع معهد المشاة لضباط الصف ومعهد تدريب الضباط من قادة الفصائل السرايا والكتائب الألوية على هذه الأرض المنبسطة، بينما احتضنت الجبال وشعابها والقمم الشاهقة وهضابها، أماكن المشروعات الخلوية والتدريب العملي لتأهيل الضباط والجنود، مبانٍ عتيقة من عهد الاستعمار لا يوجد لها نظير في كل مرافق الجيش على امتداد السودان طوله وعرضه، المرافق التدريبية النظرية وقاعات التدريب، والمساكن والعنابر والمكاتب والمباني الإدارية، لا تستطيع التجوال فيها إلا بالسيارات لضخامة المكان ومساحته الشاسعة، بجانب المئات من منازل القادة من الضباط والمدربين والتعلمجية من الجنود، إضافة للجديد من المنشآت الإضافية التي شيدت في عهد الإنقاذ أو قبلها، وتحار كيف نشأت هذه المدينة العسكرية الأولى في البلاد وتطورت بهذه الكيفية.
> داخل معهد أو مركز تدريب الضباط يوجد كل شيء كأحدث مركز تدريبي، لأن قوات الاحتياط الإفريقية التي اختتمت تدريبها أمس، وبشهادة حوالى (1200) جندي من دول شرق إفريقيا، أنهم وجدوا كل ما يلزم في مجال التدريب العسكري لتطبيق كورسات التدريب المعروفة القتالية والطبية وتجسيد المعارك والحروب، لكنهم فوجئوا بخدمات فائقة السرعة في مجال الانترنت والاتصالات للأغراض التدريبية الحربية والشخصية في هذه الفلوات القصية النائية.
> ولأن تاريخ جبيت هو تاريخ الجندية السودانية، فلا بد أن نقول إن المعلومات ظلت شحيحة وعامة، ولم نكن نعلم أن الإنجليز في أثناء الحرب العالمية الثانية أنشأوا مطاراً ضخماً لطائرات الحلفاء في هذه المنطقة، وكان بعض أسرى الحرب العالمية من دول المحور في كل جبهات القتال في أوروبا وشمال وشرق إفريقيا يؤتى بهم إلى جبيت، وتم تدريب عدد من القادة والضباط الإنجليز أنفسهم على طبيعة وطبوغرافيا إفريقيا والحرب فيها في جبال جبيت وساحاتها ووديانها.
> وأتاحت لنا وزارة الدفاع ورئاسة أركان القوات المشتركة بالقوات المسلحة، فرصة كبيرة ليس للتعرف على مشروع تدريب قوات التدخل السريع الإفريقية ومعرفة قيادتها ومفوضياتها ونكون مع وزراء دفاع أفارقة وأرفع القيادات العسكرية في عموم إفريقيا، ونشاهد التطبيق الحاذق للجرعات التدريبية والعرض العسكري المهيب للمتدربين، لكنها أتاحت لنا فرصة لنتعرف على جيشنا ومؤسساته ومرافقه، وعلى معلم من معالمنا الوطنية، وعلى منطقة لم نعرفها إلا من قصائد الشعر.. فوا عجباً!!
{ نعود إلى القوات الاحتياطية لإقليم شرق إفريقيا.. في مقال قادم.

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة