مقالات متنوعة

انتخاب الولاة!


لا يزال المؤتمر الوطني متردِّداً ما بين الالتزام بنصوص مخرجات الحوار الوطني، وقد تعهَّد الرئيس أمام العالم أجمعه بأن التوصيات التي تم الاتفاق عليها واجبة التنفيذ، بل هي بمثابة دستور.. ومخرجات الحوار بعضها جوهري وأساسي وآخر هامشي وثانوي.. وحتى اليوم تمضي تنفيذات المقرَّرات بنسب معقولة جداً، ولكن المؤتمر الوطني يشعر بأن هناك توصيات (تورَّط) فيها، وتم إقرارها وأصبحت برنامجاً واجب التنفيذ، لكنه (ملدوغ) من محاولات سابقة لتطبيقها ونعني التوصية الخاصة بانتخاب الولاة ديمقراطياً.
في فترة سابقة بدأ المؤتمر الوطني لوحده تجربة اختيار المرشحين من عضويته لخوض انتخابات يشارك فيها الوطني وحده مع بعض (المردوفين) من الأحزاب الصديقة التي لا تستطيع رفع عيونها والنظر لوجه المؤتمر الوطني إلا وتملَّكها الخجل، ونظرت لأسفل قدميها، لذلك لم تحدث نفسها بخوض انتخابات الولاة، وجلست في الرصيف تنتظر ما يتساقط عليها من دوائر جغرافية تنازل عنها المؤتمر الوطني (سيد الذوق) لهذه الأحزاب حتى تسير معه.. والمؤتمر الوطني مثل فريق ليفربول الإنجليزي حينما تردِّد جماهيره هتافات: (لن تسير وحدك) في اختيارات المؤتمر الوطني طفح الفساد وشراء الذمم وانغمست بعض الولايات إلى قبائل وتحالفات كادت أن تعصف بالبلاد وترمي بها في جب سحيق من الأزمات!! وتحت وطأة تعاطي المكروه.. ألغى الرئيس التجربة.. وعدَّل البرلمان الدستور وجاءت فكرة التعيين للولاة الحاليين.. من كل ولاية والياً.. وخيَّب الرئيس ظنون بعض المتربصين بأن التعيين من شأنه حصر عضوية نادي الولاة في ولاية واحدة أو ولايتين، ولن يتعدى دائرة معارف السلطة العليا وأولاد المصارين البيض.. لكن التعيينات جاءت مرضية.. لكل الولايات وتم الإبقاء على ثلاثة ولاة في مواقعهم، لأن أعمالهم شفعت لهم وهم “هارون” و”أبو سروال” وشرتاي شراتي السودان “جعفر”، كما قال بذلك الرئيس في كسلا.
إذا التزم المؤتمر الوطني بمقررات الحوار الوطني فإن انتخابات الولاة ستظل مرة أخرى في صيف 2020م، ولن يخوض المؤتمر الوطني الانتخابات القادمة وحده، وهناك على الأقل قوتين أبدت استعدادها لدخول حلبة التنافس.. أو ترشح مواقف تلك القوة وحصاد زرعها وسط الجماهير لخوض الانتخابات، وهما المؤتمر الشعبي الذي لن يرضى بكل كبريائه أن يصبح مثل حزب “أحمد بلال” أو “عبد الله مسار” ويستطيع الشعبي تقديم مرشحين لمنصب الوالي في عدد كبير من الولايات، أما مسألة الفوز أو مقارعة الوطني بالصناديق تلك قصة أخرى.. والقوة الثانية هي الحركة الشعبية عبر جناحها السياسي بقيادة “مالك عقار” وتستطيع هذه الحركة المنافسة في ولايتين على الأقل من ولايات السودان.. أما الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة مولانا “الميرغني” فلن يجرؤ على تعريض نفسه لخطوة من شأنها كشف رصيده وتعريته.. سيحتفظ بتحالفه مع الوطني وانتظار ما تجود به اللجان التي تكلِّف بتوزيع ظرف الأضحية وحوافز حسن الأداء.
في ظل هذا فإن الوطن مطالب خلال الفترة القادمة بحسم موقفه.. وقول كلمته.. إذا كانت الانتخابات لمنصب الوالي باتت فرض عين.. ووجد صعوبة في التنصل عن الالتزامات التي أقرَّها.. فإن تجربة تعيين الوالي في غير ولايته يمكن الاستفادة منها في الانتخابات، لكف شرور القبلية والعنصرية وإفساد الحياة العامة.. ويجرِّب المؤتمر الوطني ترشيح منسوبيه في غير ولاياتهم على أن تسند لشورى المؤتمر المركزية اختيار المرشحين من كل ولاية مرشح واحد والدفع بهم في ولايات غير ولاياتهم، مثلاً يتم ترشيح د.”عبده داوود” وهو من شمال دارفور في الشمالية، وترشيح “صلاح قوش” في غرب دارفور.. و”حسب الله صالح” في سنار، وهو من البحر الأحمر.. و”كاشا” في الدمازين و”أنس عمر” في ولاية الخرطوم.. وينتظر الوطني الأحزاب الأخرى كيف تختار مرشحها حتى لا يقع في فخ يجعله يخسر التنافس في بعض الولايات بسبب سوء اختياراته.

د.المعز عمر بخيت – خارج النص
صحيفة المجهر السياسي.