الصادق الرزيقي

إحياء عند الرمق الأخير

من الواضح أن الجهود الحثيثة التي تبذلها (إيقاد) وشركاؤها وأصدقاؤها، لإحياء عملية السلام واتفاقية أديس أبابا لإنهاء الصراع في دولة جنوب السودان، يبدو أن هذه الجهود في طريقها إلى فعل شيء ما، خاصة إذا التأم الاجتماع بحضور كل الأطراف حكومة جوبا ومعارضيها،

ويبدو كذلك أن أهم فصيل معارض الذي يقوده د. رياك مشار هو الأكثر ثقةً في مساعي (إيقاد)، وربما يفهم رياك مشار أن هذه هي الفرصة الأخيرة لكل مكونات النزاع الجنوبي المسلح، وإذا لم تنجح هذه المحاولة الخاتمة فلن يكون هناك سلام في دولة الجنوب، ولن يقف الإقليم أو العالم يتفرج على مأساة الحرب والدم المسفوح في أحدث دول في العالم ولادة وأشأمها واقعاً ومستقبلاً.

> فهل في مقدور (إيقاد) أن تحقق شيئاً؟
هذا السؤال جدير بالإجابة، فقد سعى وزراء خارجية (إيقاد) عقب مشاركتهم في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر وأكتوبر الماضيين إلى بلورة تحركهم لإحياء الاتفاقية التي وقعت في أغسطس 2015م في أديس أبابا، ومن قبلها اتفاقية أروشا لتوحيد الحركة الشعبية، وقد وجد وزراء خارجية (إيقاد) دعماً لا محدود لجهودهم من الولايات المتحدة الأمريكية وبقية دول الاتحاد الأوروبي، خاصة من شركاء (إيقاد) والترويكا الأوروبية المهتمة بقضية الحرب والسلام في جنوب السودان، وفي أكتوبر الماضي ذهب وفد يضم وزيري خارجية السودان وإثيوبيا إلى جنوب إفريقيا للالتقاء بزعيم المعارضة د. رياك مشار، ثم ذهب الوفد إلى جوبا والتقى رئيس دولة الجنوب سلفا كير ميارديت، وتمت لقاءات مع أطراف جنوبية أخرى، بالإضافة إلى اطلاع رؤساء دول (إيقاد) على ما جرى من اتصالات، وبناءً عليه تم التنسيق بين الوساطة في (إيقاد) والاتحاد الإفريقي وأطراف دولية أخرى لبدء انطلاق جولة التفاوض الحالية التي بدأت أمس باجتماع لوزراء (إيقاد)، حيث وصلت كل الأطراف الجنوبية عدا وفد حكومة جنوب السودان الذي كان ينتظر ما تتمخض عنه اجتماعات وزراء خارجية (إيقاد) ومعرفة موضوعات التفاوض في محاورها المختلفة.

> وبالرغم من أن وفد جوبا يكون قد وصل إلى أديس أبابا أمس، إلا أن هناك مخاوف من تعثر جولة التفاوض نسبة لأسباب تتعلق بطبيعة المشاركين من الأطراف الجنوبية وتعدد هذه الأطراف وانقساماتها والخلافات العميقة بين فصائل المعارضة، بالإضافة إلى شكوك المعارضة التي يمثلها ريك مشار في جدية جوبا في التفاوض ورغبتها في السلام، رغم الظروف الموضوعية وما تعاني منه جبهة جوبا الحكومية من تصدعات بائنة.
> إذا كانت القوى الدولية من أصدقاء (إيقاد) والشركاء الأوروبيون، قد أطلقوا تصريحات حول ما ينتظر الأطراف المتعنتة وغير الراغبة في التوصل إلى سلام، فمن المنتظر تحت ظلال هذه السيوف المسلطة على رقاب الأطراف الجنوبية أن تكون هناك تنازلات هنا وهناك، والجميع هنا يبحث عن ضمانات، فالدكتور رياك مشار رغم أنه في وضع تفاوضي متأرجح، إلا أنه أقل خشيةً من غريمه سلفا كير في جوبا، فرياك ليس لديه ما يخسره، فقد أُبعد عن المنطقة والإقليم بقرار دولي وإقليمي، وتم تحديد إقامته في جنوب إفريقيا، وكان غير مسموح له بالعودة إلى المسار الرئيس والرجوع إلى دائرة الفعل والأحداث، فهو في الغالب سيقبل بأية تسوية سياسية إذا توفرت هذه المرة ضمانات كافية لانخراطه في تنفيذ الاتفاقية، خاصة أن بعض خصومه مثل بول ملونق قد انشقوا عن سلفا كير وكانوا عقبة أمام السلام.

> ومقابل ذلك تضعضع موقف الرئيس سلفا كير كثيراً بفعل انسلاخات حادة وخلافات ضربت تماسك سلطته من الداخل وتنمر بعض حلفائه ومعاونيه عليه، وصار يُنظر إليه على أنه عقبة في طريق السلام، وغير معروف في ذات الوقت مصير بقية الأطراف، لكن كل شيء وارد ومحتمل، ومن بين الاحتمالات في حال تقدم المفاوضات الاتفاق على مرحلة وحكومة انتقالية، لكن هذه أيضاً محفوفة بالخطر وغير مضمونة النتائج في ما بعد.
> المهم أن ننتظر حتى الغد لنرى ما الذي سيجري وكيف تستطيع (إيقاد) فك طلاسم اللغز الجنوبي، والوصول بالقارب المثقوب إلى بر الأمان قبل أن يغرق في بحر من الدماء في حال فشلت هذه اللقاءات.

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة