اتفاق ولكن..!!
كما هو متوقع وقعت أطراف الأزمة في دولة جنوب السودان الخميس على اتفاق في مقر الاتحاد الإفريقي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بعد مفاوضات سريعة لم تتجاوز أربعة أيام، وينص الاتفاق على وقف إطلاق النار والعدائيات وفتح الممرات لإيصال المساعدات الإنسانية وعدم التعرض لفرق وأطقم الإغاثة،
والانخراط في مفاوضات مباشرة حول الفترة الانتقالية للوصول لحل سياسي نهائي للأزمة، وهذا الاتفاق الجديد بمثابة إحياء لعملية السلام والاتفاق الذي وقع في أغسطس 2015م وانهار بعد فترة قصيرة من عودة الدكتور رياك مشار زعيم أكبر فصيل معارض إلى جوبا وتسلم منصبه كنائب أول لرئيس الجمهورية، لكنه خرج من جوبا بعد أشهر قليلة عقب أحداث عاصفة ومواجهات مسلحة.
> وبالرغم من مضي أقل من أربع وعشرين ساعة وقبل بدء سريان الاتفاق، اتهم أمس لام فول قبريال المتحدث باسم مجموعة رياك مشار، القوات الحكومية بمهاجمة أماكن وجود قوات المعارضة في منطقة ديم جلاب ببحر الغزال ومنطقة فشودة بأعالي النيل, وأسفر الهجومان الحكوميان عن مقتل عدد من القوات الحكومية والمعارضة وجرح آخرين، وأبلغت المعارضة هيئة (إيقاد) التي تتولى إدارة التفاوض بذلك، وقد لا يؤثر هذان الحادثان كثيراً في مسار تنفيذ الاتفاق الجديد، لأن الظروف التي تم فيها والضغوط الدولية والإقليمية على الطرفين الحكومة وفصائل المعارضة لا تسمح لأي منهما بالرجوع إلى الخلف، مع أن هناك شكوكاً كبيرة حول مدى صمود الاتفاق الجديد وفشله، فنفس الأسباب التي أدت إلى انهيار الاتفاق السابق وعودة الحرب من جديد مازالت قائمة.
> قد لا يكون من الإنصاف الحكم على هذا الاتفاق الجديد بالفشل منذ الآن، لكن لا توجد مؤشرات كافية لنجاحه، وليس هناك أيضاً ما يشير إلى قدرة هيئة (إيقاد) وشركائها وأصدقائها ودول الترويكا والصين والأمم المتحدة أو الاتحاد الافريقي على اتخاذ كل الوسائل وإيجاد الآليات المناسبة لتنفيذ الاتفاق ومراقبة التزامات كل الأطراف الجنوبية به، ففي الاتفاق السابق عند إبرامه في 2015م اُقترحت آليات وأدوات مراقبة وتنفيذ لكنها وقفت عاجزة، ولم تستطع بعثة الأمم المتحدة (يونميس) ولا تهديدات الإدارة الأمريكية أو مجلس الأمن بفرض عقوبات على قادة الأطراف الجنوبية أو إجراءات مجلس السلم والأمن الافريقي، وقف انهيار الاتفاق أو لجم الحرب التي شردت ما يقارب المليون نصف المليون لاجئ ونازح من المدنيين الجنوبيين، وترك الجنوب يواجه مصيره حتى وصلت الأوضاع إلى مرحلة لا يمكن السكوت عليها أو نسيانها والتغافل عنها.
> ويُخشى هذه المرة ألا تتوفر إرادة إقليمية ودولية قوية وكافية تستطيع الإسراع في تنفيذ الاتفاقية ووضع الضمانات الكافية للانخراط فيها ونجاحها، فالفصائل الجنوبية بينها وحكومة جوبا جدار سميك من عدم الثقة، ثم أن المرحلة الانتقالية حتى اللحظة غير واضحة المعالم والملامح، فهل تعني تنحي الرئيس سلفا كير عن منصبه وخروجه هو وغريمه رياك مشار من المسرح السياسي الجنوبي وتمهيد الطريق وتعبيده لمرحلة جديدة من التوافق السياسي؟
> إذا كانت الرؤية الكاملة غائبة وغائمة وغير واضحة، فمن الصعب إيجاد حل سياسي بمجرد التزام الأطراف بوقف العدائيات ومرور المساعدات الإنسانية وعدم التعرض لأطقم الإغاثة، فينبغي أن تعكف هيئة (إيقاد) والاتحاد الإفريقي على صياغة رؤية متكاملة تصلح كأساس للتفاوض حوله بشأن المرحلة الانتقالية، فما يوجد في اتفاقية أغسطس 2015م ليس كافياً، وربما يكون قد تجاوزته الأحداث وتفاصيلها الدقيقة على الأرض، وحدثت مستجدات تتطلب تصورات أشمل وأكثر دقة.
> وهناك أمر آخر، فالفصائل التي وقعت على الاتفاق يوم الخميس الماضي، هي جل الفصائل المسلحة التي تقاتل وتحمل السلاح ولديها وجود على الأرض، وهناك مجموعة العشرة التي تضم السياسيين الذين سبق أن اعتقلوا عند تفجر الأزمة قبل أربع سنوات في ديسمبر 2013م، وهي تضم رموز الحركة الشعبية وقادتها مثل (باقان أموم وكوستا مانيبي ودينق ألور وجون لوك ووياي دينق ومجاك دينق)، فما وضع هذه المجموعة في الترتيبات الجديدة المتعلقة بالفترة الانتقالية، خاصة أنهم موقعون على اتفاق أروشا المتعلق بتوحيد الحركة الشعبية في 21 يناير 2015م.. كما أنهم وقعوا مع الطرف الحكومي على اتفاق القاهرة الذي رعته الرئاسة والمخابرات المصرية يوم 16 نوفمبر 2017 لتوحيد الحركة الشعبية ..؟
(نواصل)
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة