حديث السفير ..
من المؤسف أن تتحول اللقاءات غير الرسمية والجلسات الخاصة بين الصحافيين وبعض المسؤولين وما يدور فيها، إلى مادة مشاعة بين الناس لا تُحترم فيها خصوصية ما يُقال ولا سياقاته التي تتم فيها.
> ومما يفقد الثقة بين الجانبين، أن بعض زملاء المهنة بدافع السبق الصحافي أو اللهث وراء المعلومات دون إعمال الأعراف والقيم المهنية، لا يقدرون حساسية المواقف أو ما يمكن أن تجره من تبعات على الشخص المسؤول الذي فتح قلبه بغرض التبصير، وليس بغرض النشر والذيوع .
> الكثير من المعلومات والأخبار والبيانات والوقائع والأسرار مختزنة في صدور الصحافيين، ولا يمكن أن يفشوها أو ينشروا منها مجرد إشارات إذا كانت غير مأذون بها من مصدرها أو طلب هذا المصدر عدم استخدامها أي استخدام، خاصة إن كان فيها ضر بالغ، أو يساء فهمها وهي منزوعة من سياقها، ويصاب مضمونها بالاختلال.
> ولأن آفة الأخبار رواتها كما يقول القول الشائع، فإن الأحاديث غير الرسمية أو التي يتم دلقها في مجمع خاص، تظل قابلة للتفسير والتأويل والتحوير، لسببين لأنها لا تقال لتنشر، وثانياً لن يرضى صاحبها إن رأى شخصاً من الحاضرين يدون أو يسجل بُغية نشرها واستخدامها.. وفي هذه الحالة عندما لا يكون كل شيء مسجلاً ومدوناً بدقة، فإنه يكثر الالتباس والتخليط والتأليف والتحوير والقصور، وهنا مكمن الخطر ..!
> أول من أمس في جلسة خاصة بمنزل أحد الزملاء، كان السفير عبد المحمود عبد الحليم سفير السودان لدى جمهورية مصر ضيفاً شرفياً على لقاء اجتماعي حفه الود والإخاء وصفاء النية، وتقاطر إليه بعض أهل الصحافة والإعلام ورهط من الناشطين الإلكترونيين وعدد من كبار المسؤولين. وظن السيد السفير الذي أقيم العشاء على شرفه، أن اللقاء خاص ولن يتسرب منه شيء وربما يكون قد استدرج، وأن الصحافيين متعطشون بطبعهم الى سماع التحليلات والأخبار خاصة بعد استدعائه من القاهرة وما تلا ذلك من تطورات مهمة أمنية وسياسية في العلاقة بين البلدين، لكنه بنباهته كان يعرف منزلقات الصحافة وخطورة الحديث للصحافيين، فجاء بعض حديثه عاماً فيه إشارات من بعيد لا تروي غلة الصادي لدى الصحافيين، بينما ركز في بعض النقاط المفسرة لما يحدث بين البلدين.
> أما في مجمل الحديث، فهو لم يجُد بكثير مما رغب سامعوه في سماعه ..
> إذا كانت الأعراف والتقاليد الصحافية مرعية ومعمول بها، لما تسرب من حديث السيد السفير شيئاً، والخطأ وقع فيه بعض الحضور وبعضهم ليسوا بصحافيين محترفين أو من ذوي الخبرة الكافية التي توازن بين ما قيل وما يفترض فيه أن يعلم ويقدم لعامة الناس، ولا ينفي لك أن هناك أصحاب غرض وراء تسريب ما قاله السفير .
> وهنا لابد أن نلقي اللوم على بعض الحضور الذين لم يحفظوا سراً، ولم يكترثوا لحرمة المجالس ، فكل من قام بتسجيل الحديث وتسريبه هو مخطئ بلا أدنى شك، ووقع في المحظور، كما أنه لا تنفع الطمأنينة التي شعر بها السفير لبعض حضور الحفل في إعطاء أقوال حمَّالة أوجه ويسهل حملها على وجه محدد من الوجوه. فرغم قناعتنا بصحة ما قاله السيد السفير، إلا أن ظرفه هو وطبيعة عمله كانت تقتضي أن تراع من نفر كان بين المتواجدين من الإخوة الصحافيين وغيرهم ..
> وحتى لا تفسد العلاقة بين المسؤولين والصحافة، يجب الحذر الكامل والحصافة الرشيدة حين تتم مثل هذه الدعوات، فأهل الثقة هم وحدهم من يتم توجيه الحديث إليهم، وهم من يضعون المصلحة العامة والعليا فوق كل اعتبار.. نزيد على ذلك بالتأكيد على القيم الأخلاقية لمهنة الصحافة تمنع مثل هذا السلوك المشين، فما تسرب من هذا اللقاء عمل غير صالح ولا يمكن الاعتداد به على الإطلاق بأنه حذق أو تميز مهني، بل هو عمل أخرق أحمق لا يليق بصحافي على الإطلاق..
> أما إن كان ما جرى وراءه ما وراءه .. فذلك شأن آخر، وتلك قصة أخرى كما يقول الطيب صالح رحمه الله ..
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة