خروج بدون عودة
تحدث غيري الكثير من الزملاء عن موضوع الساعة (المجالس الرئاسية) والتي لا اجد لها سبباً منطقياً حتي الآن، إلا إن كانت تأكيداً لقصور الصف الأول من القادة التشريعيين والتنفيذيين بالدولة، وفقدان رئيس الجمهورية ثقته فيهم ، والدولة تحت ضغط شعبي وسياسي مبالغ فيه، وشخصياً لا أرى فائدة واحدة لقيامها لأنها لن تقدم الجديد ولا المفيد سوى المزيد من الضغط على المواطن اقتصادياً.
فالمواطن البسيط لم يجد حتى الآن شيئاً مفيداً من جيش النواب الجدد الجرار، والذي جاء للبرلمان نتيجة ترضيات ومحاصصات (الحوار الوطني)، فمن الطبيعي أو المنطقي اللا يعشم في الجيوش الجديدة في عضوية المجالس الرئاسية؟
فالمواطن ماعاد هو ذات المواطن البسيط الذي يبحث في تصريحات ووعود المسؤولين عن (مسكَن) دائم لأوجاعه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بل اصبح مواطن واعٍ لحقوقه المسلوبة وثرواته المنهوبة، وهو ذات المواطن الذي ينتظر الافراج عن ملفات الفساد والتلاعب في المال العام والتي ظلت حبيسة أدراج المسؤولين لسنوات.
والمواطن اليوم بات هو المواطن الذي ينتظر فيه إعلان جاد وبالاسماء لتقارير المراجع العام للدولة والذي ظل في حالة اعلان في تسمية افراد تسببوا في تجاوزات مالية في معظم مرافق الدولة، وتقارير فساد اخري تكشف عن وجود كشوفات مرتبات القطاع الحكومي محشوة (بالموتي والمرافيد، والاسماء الوهمية) في معظم ولايات السودان.
فساد متكاثر يضاعف من آلام الدولة اقتصادياً، وسيضاعف من حالة النزيف في المال العام، بينما العالم الثالث من حولنا يضرب في كل يوم مثلاً جديداً في معنى الشفافية واتخاذ خطوات جادة لإنعاش الاقتصاد المنهار، واتخاذ خطوات جادة لإستقرار ماهو موجود، ودوننا دولة تنزانيا الفقيرة والواقعة ضمن دول حزام الفقر العالمي، والتي قدمت للجميع درساً جديدا يضاف إلى دروس مجانية بدأت في تقديمها عدد من دول القارة الافريقية مؤخراً، حيث قال مكتب رئيس وزراء تنزانيا إن السلطات شطبت أسماء (عشرة آلاف من الموظفين الوهميين) من جداول رواتب القطاع العام بعد أن كشفت عملية تدقيق على مستوى البلاد أن هذا التحايل يكلف الحكومة أكثر من مليوني دولار شهريا مع السعي الجاد لكشف المسؤولين عن هذا التحايل في جداول الرواتب وتقديمهم للمحاكمة لأن المعركة ضد الفساد على رأس أولويات الحكومة).
بينما هنا نجد برلماننا يوفر مئات السيارات لنوابه بخلاف النثريات والمرتبات العالية والتي يطالب بعضهم بمضاعفتها لأنها لا تكفي شرههم للمزيد من المال العام، بجانب إضافة الحكومة المترهلة المزيد من التكاليف علي الخزينة العامة، بشراء مئات السيارات لمنازل الوزراء والدستوريين بخلاف سياراتهم الخاصة وسيارات مرافقيهم من سكرتيرين ومدراء مكاتب وغيرها من الوظائف التي لا تعني المواطن في شيء، بل تثقل كاهلة وتعرضه للمزيد من الفقر.
منظمة الشفافية العالمية تعرف الفساد بأنه إساءة إستغلال السلطة المؤتمنة من أجل المصلحة الشخصية، وهو بالضبط ما يحدث بالسودان ، لذا من الطبيعي أن تتضاءل فرص الإستثمار وتضعف رؤوس الأموال، ويقل الصادر ويكثر الوارد لأننا دولة إستهلاكية في المقام الأول فمن البديهي أن يكون الناتج صفراً.
لم أجد مسؤولاً واحدا حتي الآن يعترف بما آلت إليه الدولة من إنهيار بسبب غياب الشفافية وإنعدام النزاهة، ولم نجد مسؤولاً واحداً وضع خطة واضحة للحد من الفساد، خاصة وأن تعزيز النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد يعدان من العناصر الفاعلة فى جذب الاستثمار الأجنبي وتحفيز الاستثمارات الوطنية لذا من البديهي ان يلجأ مسؤولونا للأتراك حينا وللخلايجة احايين أخرى، ورغم ذلك المحصلة صفر، يبقي ان يعي الجميع ان الحل يكمن في خروج هذا النظام بلا عودة.
بلا حدود – هنادي الصديق
صحيفة الجريدة