أزمة الإقتصاد في السودان تفرض منصات الحرب الإلكترونية
دخلت الحكومة السودانية مضمار الحرب الإلكترونية مع تحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى منصات شديدة التأثير في ظل الأزمة الاقتصادية وما صاحبها من احتجاجات، فرضت السلطات رقابة على تناولها في الصحافة.
وليس أبلغ دليل على خوض السلطات الحكومية غمار هذه الحرب، من اعتراف الرئيس عمر البشير بأن ثمة حرب إلكترونية مفروضة الآن على السودان.
وقال البشير لدى مخاطبته قادة الدفاع الشعبي الأحد الماضي إن “المرحلة الحالية هي لتعدد الكتائب التي كانت في السابق كتائب جهادية تحمل البندقية.. الحوجة الآن لكتائب إلكترونية لمواجهة الحرب التي تواجه البلاد لإلحاق الهزيمة النفسية بالسودانيين”.
وعلى إثر ذلك نشطت خلال الساعات الماضية “هاشتاغات وتغريدات وبوستات” في الدفاع عن سياسات الحكومة الإقتصادية أو في التحذير من مخاطر الثورات أو في بث معلومات تقع في خانة البشريات.
ويقول عبد الله حربكانين رئيس قسم السوشيال ميديا في شبكة الجزيرة سابقا، والمحاضر في الإعلام الإلكتروني إن “الجيش الإلكتروني مفهوم جديد في الانترنت هدفه الدفاع عن أي بلد مثلما يفعل الجيش التقليدي في التصدي لمن يعتبرهم أعداء”.
ويؤكد حربكانين لـ “سودان تربيون” أن كل الدول حاليا تتجه لذلك لصد أعداء الانترنت الخارجيين وليس نشطاء الانترنت داخل البلد.
ويشير إلى أن ألمانيا كونت العام الماضي جيشاً إلكترونياً، إلى جانب قواتها البرية والبحرية والجوية، كسلاح مستقل داخل الجيش الألماني التقليدي.
وبشأن حديث البشير يوضح حربكانين قائلا: “إذا كانت الحكومة ستشكل جيش إلكتروني فهذا يعني الدفاع عن أعداء خارجين، أما يسمى (الجداد) الإلكتروني في الغالب هو مجموعة من الموظفين المتخصصين في مجال الانترنت بهدف الدفاع عن الحكومة وتسويق سياساتها وهذه كتائب إلكترونية وليست جيشا إلكترونيا”.
ودرج المعارضون على تسمية الناشطين في الدفاع عن الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي بـ “الجداد الإلكتروني”، أي الدجاج الإلكتروني.
ويؤكد حربكانين أن كل الأحزاب والحكومات لديها “كتائب إلكترونية” تدافع عن وجهة نظرها وتتصدى لمعارضيها في وسائل التواصل من خلال “الهاشتاغات والتغريدات والبوستات”، وكذلك تستقطب إليها الجمهور عبر وسائل الاستقطاب المختلفة.
ويتابع قائلا “حاليا الترويج للبرامج والمواقف السياسية وتسويقها يقوم بها (الجداد أو الذباب) الإلكتروني، كما يسمى، أحيانا بهدف إظهار تفوق رأي الحكومة بما يظهر وكأنه موقف شعبي عام أو مطلب شعبي متفق عليه، بينما الواقع قد لا يكون كذلك”.
وتشير “سودان تربيون” إلى أن مواقع “واتس آب” و”فيس بوك” تحولت إلى ما يشبه الملاذات الآمنة للنشطاء والسياسيين المعارضين إبان الإجراءات الإقتصادية القاسية التي نجمت عن موازنة العام 2018.
وزادت درجة الاعتماد على الأسافير في ظل قبضة أمنية على الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى منعتها من تغطية ارتفاع أسعار السلع والاحتجاجات الشعبية، حيث تعرضت الصحف التي خالفت توجيهات جهاز الأمن لعقوبة المصادرة.
ومنذ أوائل يناير الماضي تتعامل السلطات مع مظاهرات بالخرطوم ومدن أخرى ضد الغلاء، ما أسفر عن اعتقال مئات النشطاء وقيادات الأحزاب المناهضة للإجراءات الإقتصادية.
ومع نشاط مواقع التواصل الاجتماعي المتزايد في الشأن العام وخاصة الاقتصادي منه، أصبحت السلطات الحكومية تلاحق ما يرد من معلومات في هذه المواقع، إما نفيا أو توضيحا.
وعلى رأس كل ساعة يستقي الناس معلوماتهم بشأن سعر الدولار في السوق الموازي من الـ “فيس بوك” أو الـ “واتس آب”.
وكتب رئيس تحرير صحيفة “السوداني” في زاويته الراتبة “العين الثالثة” يوم الإثنين “الحقيقة الوحيدة التي لا يُمكن نفيها أو التَّشكيك في صِحَّتها، أن مارك وليس حازم عبد القادر، هو من يتحكَّم في مُؤشِّرات سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني”، في إشارة إلى مارك زوكربيرغ، مؤسس موقع الفيسبوك.
لكن في المقابل يساعد صعوبة حصول الصحفيين على المعلومات من المسؤولين ومؤسسات الحكومة في الاعتماد على السوشيال ميديا، وهو ما يعبر عنه بلال بقوله: “مع مواقع التواصل الاجتماعي الحقائقُ لا تُكتشف ولكنها تُنتَج وتُصنَع.. قبل شهرين أرسلناها رسالةً ناصِحة من هذه المساحة على بريد وزير المالية الفريق الركابي: لا تختبئْ في الصمت”.
ويرى الصحفي الناشط في مواقع التواصل الاجتماعي محمد جمال قندول أن الإعلام الحديث بات مؤثرا بشكل فاعل، لأنه فضاء واسع وبلا قيود حكومية حتى الآن، ما جعل المعارضة وتحديدا أحزاب اليسار تكثف وجودها فيه.
ويحمل الاستخدام السالب لتطبيق التراسل الفوري “واتس آب” مسؤولية ما اسماه الفوضى في مضاربات أسعار الدولار، قائلا إنها “بدأت من هنا”.
ويقول قندول لـ “سودان تربيون” إن الحكومة تواجه الآن تحدي كيفية مخاطبة الإعلام الحديث الذي لا يحتمل أي تأخير ويتطلب ملاحقة من المسؤولين في ظل “الاستخدام غير الأخلاقي” من المعارضة لهذا النوع من الإعلام.
وفي هذا الصدد يقول المحاضر في الإعلام الإلكتروني عبد الله حربكانين إن كل دولة لا بد أن تكون لديها بنية تحتية جيدة في المجال التقني إذا أرادت المنافسة والمقارعة في الفضاء الإسفيري.
بيد أنه يوضح أن الجيش الإلكتروني عادة يكتسب صفة الجيش الرسمي بأن يكون قوميا ولأهداف متفق عليها مثل التصدي لهجمات إلكترونية من دول عدوة أو متربصة، “سواء كانت في شكل هاكينغ (هجمات الكترونية) أو ترويج لموقف مناهض للبلد”.
ويتابع “طبعا في بعض الأحيان الجيوش الإلكترونية المنافسة تستخدم جمهور بلدك لضرب المواقف المتفق عليها داخل البلد من خلال سياسات محددة مثل انتحال الأسماء، خاصة الشخصيات المعروفة”.
سودان تربيون.