رأي ومقالات

ضياء الدين بلال: خفافيش الفساد

-1- في أكثر من مكان، وأكثر من مرَّة، توعَّد الرئيس عمر البشير، المُفسدين بالويل والثبور.
تكرار التَّهديد والوعيد، يشي بوجود قراراتٍ أو خطواتٍ في الطريق.

مع كُلِّ ما قيل عن القرارات والإجراءات الاقتصادية الأخيرة، تجد الصوت الشعبي الأعلى هو: المُطالبة بضرب أوكار الفساد وواجهاته، والحدّ من الصرف الحكومي إلى حدود الكفاف.
-2-
لا أحد يُطالب الرئيس البشير، بما فعله وليُّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مع الأثرياء ورجال الأعمال، ولكن على الأقل أن تكون هناك قراراتٌ رادعةٌ ومُحاكمات عادلة وناجزة، لكُلِّ من يثبت عليه التورُّط في أنشطة مشبوهة أو الولوغ في المال العام.
-3-
هناك شعورٌ بأن الحكومة مُتراخية في إدارة الملفِّ بكُلِّ جدية وحزم، حتى تنقل محاربة الفساد من مستوى الشعار إلى واقع التطبيق.
الظرف الآن مُواتٍ لتسليط الضوء في كل الأماكن المُعتمة والزوايا المُظلمة، التي تختبئ فيها خفافيش الفساد.
-4-
الخطأ الأكبر الذي ظَلَّتْ تقع فيه الحكومة، أن تجاوزات منسوبيها – في كل مستويات إدارة شأن السلطة – كانت تُرحَّل (للحساب العام) ولا يُسدِّدُها المُخطئون من حساباتهم الشخصية بالجزاء والعقاب!

وأفضلُ تلخيصٍ توصيفيٍّ لهذا الأمر، ما قاله الأستاذ أمين بناني، في حوار صحفي أُجري معه عندما كان يشغل منصب وزير الدولة بوزارة العدل. قال بناني، إن الإنقاذ كانت دوماً تسعى لمُمارسة (فضيلة الستر) مع أخطاء وتجاوزات منسوبيها ولكنها – من حيث لا ترغب – وقعت في (جريمة التستر)!
-5-
يبدو أن حديث مُعارضي الإنقاذ وشانئيها المُتكرِّر عن الفساد والتجاوزات، واستخدام ذلك في معارك السياسة، جعل الحكومة تتعامل مع هذا الملفِّ بقليلٍ من الحساسية، باعتبار أن كُلَّ ما يُقال ما هو إلاّ مُحاولات عدائية لضرب مشروعها الوجودي، بتشويه صورتها الأخلاقية.

وبذا أصبحت (المناعة) التي اكتسبتْها ضدَّ أخبار واتهامات الفساد، مظلة مناسبة لبعض المُفسدين لتمرير أخطائهم وتجاوزاتهم بهدوءٍ، لا سيما أنّ الجسد السياسي أنتج من الأجسام المضادة ما هو كفيلٌ بدحر كُلِّ الاتهامات بتصويرها مكائد سياسية.
إذا لم تقم الحكومة بدورها كاملاً، في القيام بمُهمَّة التمييز بين الخبيث والطيب، والصالح والطالح، والنزيه والفاسد؛ ستقوم بهذه المهمة جهاتٌ أخرى، ستفعل ذلك دون ضوابط ولا أخلاقيات، عبر سلاح الشائعات، وتفسيد الجميع.

قانون الثراء الحرام من القوانين التي بإمكانها أن تُعدَّل وتُفعَّل، لأداء مُهمَّة مكافحة الفساد بصورة مهنيَّةٍ خاليةٍ من الأغراض والشوائب واتهامات الزور.
-6-
في الصين عندما كَثُرَ الحديث عن فساد بعض قيادات الحزب الشيوعي في الولايات الصينية، لم يكن أمام قيادة الحزب سوى أن تطلق أقلام الصحافة لتقوم بتنظيف صفوف الحزب من المفسدين، ونَقَلَ الحزبُ ملفَّات المتجاوزين إلى القضاء لتَصدر أحكامٌ بالإعدام في مُواجهة قيادات نافذة داخل الحزب. وكان في السابق يُحاسَب أمثالُهم في الغرف التنظيمية المُغلقة، ويتحمَّل الحزب تسديد الفواتير السياسية نيابةً عنهم!
-7-
من مصلحة الحزب الحاكم أن يجعل كُلَّ فردٍ من عضويته حاكماً أو محكوماً يدفع فواتير أخطائه من حسابه الشخصي لا من حساب الحزب.
وقبْل ذلك، من حَقِّ كُلِّ حزبٍ أن يدعو الجميع للانضمام إليه؛ ولكن يجب أن يتفقَّد (أحذيتهم) قبل أن يُسمح لهم بالدخول، (فالأحذية المُتَّسخة) تُفسد رائحة البيت، مهما كان حرص أهله على النظافة!

بقلم
ضياء الدين بلال

تعليق واحد