مــن يخشــى الانتخــابــات؟!
قد يصعب على كثير من القوى السياسية غير المؤتمر الوطني، الموافقة على إجراء الانتخابات القادمة في موعدها المضروب في النصف الأول من العام المقبل 2015م، وتتذرع كثير من الأحزاب السياسية خاصة قوى المعارضة بأسباب واهية ومتعددة تعتقد أنها مبررة لموقفها الداعي لتأجيل الانتخابات.
وترى هذه الأحزاب أنه لا بد من تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لمدة سنتين، وأن تحكم الفترة الانتقالية من أبريل 2015م وحتى موعد الانتخابات المقترح في 2017م بحكومة قومية أو انتقالية، تتشكل من كل الأطياف السياسية، وتكون هذه الفترة هي مهلة لإكمال كل الاستعدادات والتهيؤ من قبل القوى السياسية للنزال الانتخابي، وحتى تكسب تأييد المؤتمر الوطني لا تمانع أحزاب المعارضة في بقاء الرئيس في منصبه حتى الموعد المقترح نظير التنازل عن كثير من صلاحياته للحكومة القومية أو الانتقالية.
بينما يرى المؤتمر الوطني الذي أكد موقفه المعلن بقرارات من مجلس شوراه الذي التأم وختم اجتماعاته ومداولاته أول من أمس، أنه لا بد من إجراء الانتخابات في ميقاتها المحدد بنهاية الدورة الانتخابية الحالية التي تنتهي في أبريل 2015م، ولا يرى ضرورة تدعو للتأجيل أو تأخير الانتخابات عامين كاملين.
إذن ما الذي يدعو لاختلاف وجهات النظر ويباعد بين المواقف حول موعد الانتخابات؟ ولماذا تماطل الأحزاب السياسية وخاصة قوى المعارضة ذات الوزن وذات الوجود غير المرئي بالعين المجردة؟!
ومن جانبها تعتقد أحزاب المعارضة أنها ظلت بعيدة عن دولاب الدولة لربع قرن من الزمان، وفقدت الكثير من كوادرها المدربة والمؤهلة، وغابت عن ساحات التنافس الشعبي، وغيَّبت عنها سنوات الإنقاذ المداخل والمنافذ للجماهير، كما أن ساحات العمل السياسي المفتوح والتواصل المستمر مع عامة الناس تقلَّصت لأدنى مستوى لها، بسبب ضيق ذات اليد الحزبية وخلو الوفاض والجيوب، وترى أحزاب المعارضة أن منافسة المؤتمر الوطني صعبة للغاية في حال قيام الانتخابات في موعدها لامتلاكه المال وسلطان الدولة وسيطرته على كل أوراق اللعبة، ولن تستطيع منازلته في حلبة الانتخابات في العام المقبل، ولذلك تنادي بحكومة قومية انتقالية تشارك فيها مع المؤتمر الوطني بنسبة مقدرة، أو حكومة تُختار من شخصيات غير معلنة الانتماء لتبدأ عملية تفكيك قبضة المؤتمر الوطني حتى يتسنى تبديد قوته وشل قدرته المالية ليضعف إلى الدرجة التي قد تُمكن من هزيمته وسحقه انتخابياً.
وتوجد قوى أخرى لا تؤمن على الإطلاق بالعمل السياسي السلمي، وهي الحركات التي تحمل السلاح في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق والقوى المنضوية تحت راية الجبهة الثورية، وتناصر الأحزاب اليسارية هذه المجموعات، ومن غير المأمول أن توافق كل هذه التكوينات على الدخول في اللعبة السياسية وترضى بالخيار الانتخابي بوصفه وسيلةً لتداول السلطة في البلاد، وتنظر مجتمعة إلى أن الانتخابات عبث لا طائل منه، ولا بد من مواصلة عملها المسلح وحروباتها من أجل إسقاط النظام والقفز إلى السلطة وفرض سيطرتها على البلاد.. ولن تجدي المفاوضات الطويلة معها لإقناعها بذلك ودونها تجربة حركات دارفور الموقعة على اتفاقيات السلام، فلم تتحول حتى الآن لأحزاب سياسية ومازالت تحتفظ بقواتها ولم تكتمل حتى هذه اللحظة عملية الترتيبات الأمنية والعسكرية التي بموجبها يتم استيعاب جنودها في القوات النظامية.
وإزاء هذه المعطيات فإن هناك جهات عديدة لا ترغب في إجراء الانتخابات أو قيامها، فالأحزاب الكبيرة تخشي هذا النزال لأسباب معلومة موضحة في بادرة هذه السطور، كما أنها لم تكمل أية تنسيقات داخلية وخارجية تضمن من خلالها التمويل الكافي، فحزب الأمة مثلاً لم يكن ليكسب مقاعد تجاوزت المائة وثلاثة مقاعد في الجمعية التأسيسة في انتخابات عام 1986م لولا الدعم الكبير الذي وجدته من نظام القذافي في ليبيا والسيارات التي منحت له من هناك، والحزب الاتحادي تلقي أموالاً من دولة خليجية كبرى ومن مصر من نظام مبارك، وتلقى في تلك الانتخابات الحزب الشيوعي السوداني وأحزاب البعث العربي وغيرها من الأحزاب دعومات من الاتحاد السوفيتي السابق ورابطة الأحزاب الشيوعية، ومن العراق وجهات أخرى.
فدعوة الأحزاب اليوم لتأجيل الانتخابات والخشية من قيامها في موعدها، وراءه غرض ظاهر وبائن حيث تبحث أحزاب كثيرة عن مشترٍ وسمسار.. وما أكثر المال العربي والأجنبي الذي ينتظر الذمم السياسية المُباعة .
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة