محمد حامد: صوت ابو عبيدة يشق الظلمة والظلمات.. يا عقد الجواهر يا الضواي وباهر يالخليتني أهتف بي حبك وأجاهر
كان صوت ابو عبيدة حسن ؛ يزيل الصمت والليل والرهق ، وانا اشق الامكنة ؛ طائف يمس اسماع الهواء وسمعي ، هو نفسه (ابوعبيدة) بتلك البحة الممزوجة في اثر شهقة لا تقطع انفاسه ؛ تخيلته بذاك السمت البسيط ، تجذر في ذاكرتي بتلك السمرة القوية و(التفة) وملمح الاسنان البيضاء و(طنبور) يشد ينغم به اغانيه ، لطالما كان الرجل من جميل قاع ذاكرة الطفولة عندي ،
التقيته قبل سنوات مع صديقي بدر الدين كمبال ، كنا من رواد رابطة امبدة للناشئين ، جدار متهدم خلف (ملجة) السوق الشعبي ، اعتدنا فيها ان نتقاسم وبعض الخراف المنثورة بالجوار لبعض الكردافة خشاش الارض والبعر ، حينما نرابط خلف المرمى الجنوبي انا وكمبال و(فانتا) الاثيوبي المتسودن بالصعوط والهلال ومحمود عبد العزيز وافتعال المشاجرات مع الحكام ، اه ..نسيت ولعه بمضغ (القصب) كانما هو الة زراعية من فرط جدارة جز اسنانه في كشط الاعواد المسكرة ، كنت اعاف هداياه من بعض الفصوص ، اذ اعد (التمباك) من مجلبات الكفر الميسر !
هناك التحق بنا (ابوعبيدة) بذات القميص و(الطنبور) والبحة وتلك السمرة ، لم احس ان بالرجل بأس غير اني استبشعت مهوي نجومية نجم احبه ، كان مع ركلات الكرة وهتاف النظارة ولعناتهم البذيئة ؛ يرسل تلك الالحان ، توزعت عيناي بين السنتر وخط 18 وبقى سمعي وقلبي بين رنة وتر وعرض نص ، تلاشت تلك الايام ، تركت (الرابطة) بعد يوم دمغ فيه احدهم رسم (كدارته) في وجهي ، كان ناشئا من حفدة العماليق ، واظنه من مواليد ما بعد السودنة ، رماه خصم له على مجلسنا فرشق شقي خلفنا امه بكلمة ، استشاط بعدها فسل قميصه وهم بنزع سرواله الرياضي ، فر من هم حولي وبقيت انا كالسيف وحدي ، استنجز الحكام و(ابناء الحلال الفزع) جمدت في مكاني فرفع ست كدايس وصعر بها خدي في الرمل المطعم بالروث ! قمت لاجد نفسي في وسط غابة من رماح وهتافات ، تذوقت يومها تفسير الضرب المبرح ! ومذاك تحاشيت ذاك المجلس ، عملا بنصيحة عاقل استلني من وسط الحشد كأنه ينزع شوكة من مؤخرة فرس ، تذكرت كل هذا وصوت ابو عبيدة يشق الظلمة والظلمات يات صوته جزلا
يا عقد الجواهر يا الضواي وباهر يالخليتني أهتف بي حبك وأجاهر..
بين أتراب عزاري بين أتراب أزاهر
الشب البلالي يا بنور متمر.
كنت في أزقة السوق العربي ، بقايا قامة تسد مسامات الاسفلت قبل الطريق ، الظلمة فكت حذر عمال يبدو انهم من شغيلة مطعم بلدي ، في هذا الوقت يغفل رقيب المحلية وبسترخي جنرالها ؛ يتمد الايقاع المدعم بطرقعة لاعب ماهر يضرب (بنقز) تساوت فيه الثلاثية الناقرة والممتعة فتحول الذوق عندي لمربع تمددت فيه روحي ، كنت اقصد عطارا لدواء بلدي يرد عني غوائل ذبح (الحيرقان) فقد كرهت مسكنات الحبوب ، كما غذى في طبيب انها مهلكة للكلى ؛ ارتبعت فقد مضغت الاحداث والغبائن كبدنا ولا املك وسعا لهلاك كلى في بلد حار ، وواقع نفسي يهلكني بالعطش اذ اشرب ولا اروى !
وقفت فوق العمال ، سمر عجفاء اجسادهم ، رفع احدهم صوت المذياع ، كلما صاح ابو عبيدة (بلور متمر) شد حزام الفوطة – العامل – كانه يشنق شوقه بخنق الصحن اللامع ، احدهم استبد به الشجن فطرقع مكملا بالصفقة ايقاع المكان ، وقفت انظر اليهم ثم التحقت بهم مستمعا مستمتعا ولو انهم منحوني صحنا لاحسنت التتمير … جميل استدعاء العفوية واجمل منهم ذاك الانسان الذي يجعل في هوامل اللحظات والامكنة هذا التداعي الجميل للايام والذكريات بجميل القول واللحن ، اظن ان هذا جزء من صدقة ، هذا مثل نصب سبيل ماء للعابرين ، ولا انا غلطان ، لقد شربت من سبيل (ابوعبيدة حسن ) حتى اني ذهبت ولم استفسر اين العطار !.
بقلم
محمد حامد جمعة