الصادق الرزيقي

مجرد تفسير ..!


ليست هناك قراءات دقيقة في ما يبدو لما يحدث في الساحة السياسية على الأقل داخل إطار الحكم والحزب الحاكم، وقد شُغل الناس بعودة صلاح قوش الى موقعه السابق في قيادة جهاز الأمن الى درجة اعتبار الحدث في حد ذاته انقلاباً جديداً وتحولاً مفصيلاً وفاصلاً بين زمنين، وكأن طوراً مغايراً أو مستحدثاً في شكل السلطة يتمظهر، وتركيبة السلطة الراهنة ستتغير!!..

> الأمر بالطبع ليس كذلك، فالسيد الرئيس الذي يملك شرعية دستورية انتخابية في ظل النظام الرئاسي، هو الممسك بخيوط اللعبة وبيده المبادرة السياسية ويتخذ القرار الذي يراه مناسباً ويتلاءم مع مطلوبات المرحلة وما تقتضيه المصلحة العامة، فكل ما يتخذه هذه الأيام من قرارات، هو جزء من سلطاته كرئيس ورؤية يراها وفق تقديراته ومسؤولياته كقائد .
> ليس هناك ما يدعو للإسراف في إعطاء دلالات ومعانٍ أكبر وأضخم بكثير من واقع الحال، فقواعد اللعبة لم تتغير، ومنهج الحكم لم يتبدل، ومؤسسات الدولة ستظل كما هي بنهجها ومنهج عملها والمطلوب منها، والسياسات نفسها دون كشط أو تعديل، ويظل القرار الأول والأخير بيد الرئيس في الأمور التي تتطلب تدخله لينهي الجدل ويحسم بقطع ..
> يصور البعض ما يجري وكأنه نتيجة صراعات عنيفة ضربت جسد وتماسك أطراف الحكم، وتصدعات واستقطابات داخل الحزب الحاكم والحركة الإسلامية ، وقد انساق كثير من الناس حتى الإسلاميين أنفسهم الى تصديق ما يزعم أنه زلزال عنيف ضرب وحدتهم وداء فتاك اجتاح الخلايا والأنسجة في جسم المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، وكان لدوي عودة الفريق أول صلاح قوش الى رئاسة جهاز الأمن والمخابرات أثراً بالغاً في تنامي مثل هذه التكهنات والتأويلات وتضخيم المعلومات التي لو صح جزء منها لكان كافياً للحكم على المرحلة المقبلة بأنها مرحلة حرجة ستكون مليئة بدمامل الانقسامات وقروح الاستقطابات ، وهذا ما لن يكون ولن يحدث ..
> من أجل تنظيم إيقاع مؤسسات الحكم وتعاطيها مع هموم في الداخل السوداني ، وتحديات في المجال الإقليمي والفضاء الدولي، تجري عملية إحلال وإبدال عادية دون أن تتزيا هذه العملية بأي ثوب ولون غير اللون الطبيعي والثوب المألوف، فالكل في إطار المنظومة الواحدة التي قامت عليها الإنقاذ بشخوصها ومنهجها وطريقتها ولاعبيها الكبار، فليس هناك انعطاف رئيس في الأفكار أو البرامج أو المواقف من قضايا الداخل أو الخارج، يمضي القارب بربانه وهو ممسك بالدفة يدعو مساعديه كل مرة للتموضع في مكان لحفظ التوازن وتوزيع كتلة الحمولة وتجنب الأخطار .
> في السلوك السياسي للأنظمة وخاصة التي تظل في الحكم لسنوات طويلة، إنها تظل ثابتة في غاياتها وأهدافها، تحتفظ بحقها في سن قواعد اللعبة ويتبدل ويتحول اللاعبون من مربع الى مربع، وهذا يضمن لها الاستمرارية والبقاء، وتساعد نفسها بتجديد الوجوه والأسماء، بينما المجرى العام يظل متدفقاً وجارياً كما هو .. دون أن تكون هناك أصباغ ومساحيق تغير من ملامح الوجه أو تسبب تشوهاً في البشرة ..
> وعجباً للذين لا يفهمون طريقة الرئيس البشير، فهو يقرأ الواقع جيداً كعادته، ثم يتخذ القرار الذي يراه صائباً ويتحمل مسؤوليته كاملة والتبعات التي تنتج، وهذا حدث في أوضاع مختلفة ومتنوعة، يكون فيها القرار قراره يتخذه سواء شاور إخوته أو أخطرهم به بعد أن عزم عليه ثم توكل، وتثبت الأيام بعدها صوابية القرار ونجاعته، خاصة في القضايا والشؤون الكبيرة والداهمة .. ومن غير المقبول الزعم أن ردّات الأفعال من الرئيس هي وراء القرارات ذات المحمول السياسي الثقيل، فذاك أمر لا يتفق مع الخبرة التي توفرت له وتجربته السياسية الطويلة ومعرفته بالناس ومن هو الرجل المناسب الذي يكون في مكانه المناسب في الميقات المناسب، وهذا ما حدث في قضية تعيين الفريق أول صلاح قوش، فليس هناك انقلاباً أبيضَ كما يُقال ولا مرحلة جديدة تنسخ ما سبق أو تكشط ما كان موجوداً .. الكل منشجرة واحدة ويرمي من ذات القوس ..

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة