هذه الأرض لنا
الجميلة جوليا روبرتس.. جسدت أحد أهم أدوارها في فيلم عن قصة حقيقية لامرأة تدعى (أيرين بروكوفيتش) نالت فيه جائزة الأوسكار.. الفيلم يحكي عن بلدة صغيرة.. يعاني أهلها من امراض واطفالها يولودون بتشوهات.. اهل البلدة يتهمون شركة كيميائية بالقرب منهم.. لكنهم لا يستطيعون إثبات شيء.. القائمون على أمر الشركة نافذون.. ويمكنهم التأثير على متخذي القرار.. قامت أيرين بروكوفيتش بأبحاث عميقة وجمعت أدلة قاطعة.. ونالت ثقة اهل البلدة لرفع قضية ضد الشركة أستطاعت في نهاية الأمر نيل تعويض ضخم لأهل البلدة…جراء تخريب البيئة المحيطة.. فالأصل هو ان يحيا الإنسان في أرضه.. وليس أن يستفيد ملاك الشركات.
الأحداث الأخيرة في ولاية نهر النيل.. والتي مات فيها مواطن متأثراً بجراحه نتيجة إطلاق النار عليه.. يجعلنا نتساءل.. إن لم يكن الاستثمار ذا فائدة مباشرة على مواطن تلك المناطق.. على الأقل يجب الا يصبح مهدداً لحياته.. وإلا سيأتي يوم نرفع فيه قضايا على الشركات التي استباحت الأرض.. وأطلق فيها يد المستثمرين.. الذين لم نر منهم شيئاً مفيداً حتى الأن؟؟ لعنة الذهب التي أصابت الجميع.. هل وصل الأمر الحد وبلغ السيل الزبى؟؟
استغرب من أصوات تقول بأن الأرض للحكومة تفعل بها ما تشاء.. وعلينا نحن المواطنين السمع والطاعة.. اذن لماذا علمونا أن ننشد كل صباح (هذه الأرض لنا)؟.. لمن يعود الضمير في كلمة (لنا) هذه؟ لماذا يطلب منا الدفع بأبنائنا للقتال والجهاد.. وعند جني الثمار تصبح الأرض للحكومة تمنحها لغريب.. وترخص له إطلاق النار لكل من يقترب من آلياتها؟؟ ألم يكن من الأفضل فرض الشروط على الشركات المستثمرة؟.. مطالبتها باستعياب أبناء المنطقة في عمالة الشركة؟.. المساهمة في الخدمة المجتمعية؟.. إقامة المستشفيات والمدارس؟.. تدريب وتأهيل العامل الوطني؟.. حتى متي نعطي الدنية في أرضنا؟؟ والى متى نظل نبخس من قدر أبنائنا؟
ربما اخطأ أبناء تلك المنطقة عند مهاجمة مقر الشركة.. لكني أتفهم دوافع كل من صحا فجأة ليجد الحكومة قد منحت أرض أجداده لغرباء دون مشاورته.. ومن ثم طالبتهم بالاذعان لمن ضايقهم في رزق أولادهم.. وفوق كل هذا.. تأتي أصوات لتنعتهم بالتخلف ورفض الأفكار الجديدة!!..المأساة أن هذا الأمر يتكرر كل مرة.. ولم تتعلم الحكومة الدرس.. ولم تحاول مرة أن تقترب من مواطنها وأن تجلس معه لتشرح الدوافع والفوائد التي يمكن أن تعود عليه.. ولم تحاول مرة أن تمد جسراً بين الشركات المستثمرة والقرى والمدن التي تجاورها.. من يدري؟ اذ ربما تنشأ علاقات جيدة.. إثر تبادل المنافع.. وتصبح الأرض مقابل التنمية والرفاهية لأهل البلاد.. .فمتى يتم استيعاب الدرس؟؟
في ختام المقال.. لهفي على ذلك الطفل.. الذي خرج الى الحياة ليجد أباه قد فارقها متأثراً بجراحه.. كيف سننظر في عينيه؟ ماذا سنقول له لنفسر غياب أبيه؟ ذلك الذي أطلق عليه النار.. هل كان ما يحرسه أغلى من حياة ذلك الأب؟؟.. أقول لكم.. إن هذا الطفل سيكبر.. وسيعرف كل شيء عن أبيه.. وعن الصراع حول الأرض.. ورغم كل الادعاءات.. سيرفع صوته عالياً وهو ينشد (هذه الأرض لنا).
صباحكم خير – د ناهد قرناص
صحيفة الجريدة