الصادق الرزيقي

أزمة وقود أم قلة نقود ؟!..

لا يمكننا تصور ما يجري في أزمة الوقود الحادة الحالية، فبينما تمتد الصفوف أمام محطات التزوُّد بالوقود لمسافات طويلة تصل الى كيلومتر أو اثنين أو تزيد، وهي مشاهد لم تألفها وتعرفها أجيال من السودانيين خاصة الشباب صغار السن قريباً،

لأن هذه الصورة اختفت لسنوات طويلة، فها هي تطل بوجهها القبيح الكالح كدليل عجز وفشل للجهات المعنية بتوفير الوقود وكافة المحروقات، ففي الوقت الذي تعلن فيه وزارة النفط والغاز إنها سلمت بنك السودان منذ نوفمبر الماضي برنامج احتياجاتها من النقد الأجنبي لتوفير المطلوب من الوقود خاصة البنزين والجازولين وغاز الطبخ، وعدد الشحنات المطلوبة لتوفير خطابات الضمان والسندات، بالإضافة إلى التفاصيل الكاملة حول الإطفاء وعمليات صيانة المصفاة التي تمتد لـ(63) يوماً ومدة التوقف، والتزم البنك بتوفير ما عليه كما أشارت وزارة النفط .. لكنه مع ذاك الالتزام صعوبة في توفير العملات الصعبة مما أدى الى تأخير وصول الشحنات والبواخر المحملة بالوقود ..!

> يفهم من حديث وزارة النفط أن هناك أزمة في النقد الأجنبي أو في الطريقة البيروقراطية المعقدة التي يتم التعامل بها مع هذه المسائل الحساسة، وهنا تكمن علة كبيرة، فقد أشار السيد رئيس الجمهورية أول من أمس في خطابه أمام الدورة السابعة للهيئة التشريعية القومية، أنه لا توجد مشكلة في النقد الأجنبي، وأشار الى الشبكات المخربة التي تنشط داخل الجهاز المصرفي والإجراءات التي ستتخذ في بنك السودان تنظيماً وبتراً، وهنا إشارة واضحة الى تقاعس البنك المركزي ودوره في عدم توفير العملات الصعبة أو خطابات الضمان والسندات اللازمة لتوفير الوقود، يتضافر مع هذا حديث رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني ونشرته الصحف أمس الذي أكد وصول ثلاث بواخر ( لاحظ في أخبار يوم أمس اختلاف الأرقام مع وزير الدولة في وزارة النفط الذي أكد وصول ست بواخر ) إلا أن سبب تأخير انسياب حمولة هذه البواخر الإجراءات الإدارية ..!!

> وما أكده وزير الدولة بالنفط ووزير الدولة بالمالية ورئيس اللجنة الاقتصادية هو وصول البواخر، وكل منهم سعى لتطمين المواطنين على طريقته، مع تضارب وتعارض الأرقام، لكن كل ذلك يكشف خللاً ما، في طريقة إدارة الدولة لهذا الملف الحساس المتعلق مباشرة بحياة الناس وضروراتهم اليومية وبالإنتاج، فهل يعقل أن تتباطأ جهة حكومية عن واجباتها وتعجز عنها وهي تعرف الآثار المدمرة لتأخير الإجراءات في عملية الاستيراد وهي تعلم الظروف الداخلية المتعلقة بالإنتاج المحلي وعدم كفايته للاستهلاك الداخلي والاعتماد على الوارد من الخارج..؟ وهل نصدق أن الإجراءات الإدارية العقيمة هي السبب في تفاقم الأزمة؟.. أين التقديرات السياسية للمسؤولين في وزارة النفط من قبل الوزير ووزير الدولة وبقية كبار المسؤولين الذين من واجباتهم هو توفير كل المحروقات والوقود حسب الاحتياجات الفعلية وقراءة تأثير نقصانها وشحها مقروناً بالطقس السياسي الراهن؟ ..
> وكيف لا يتخذ البنك المركزي احتياطاته فوراً بمجرد تسلمه برنامج وزارة النفط حول توقف المصفاة للصيانة وطلبات خطابات الضمان والسندات للاستيراد في الوقت المحدد قبل أن (يخنق الألمي القنطور ) كما يقول أهلنا البقارة..!
> قد تكون هناك معلومات أخرى وتفاصيل أكثر لم نتوفر عليها، لكن المتفق عليه أن هذه الطريقة المتبعة، وسياسات الاستيراد للسلع الإستراتيجية مثل الوقود بأنواعه والقمح والدقيق والسكر و الأدوية يجب مراجعتها فوراً، وعلى الدولة أن تتدخل بسرعة لتغيير هذه السياسات وتزيل كل العوائق الإدارية والإجرائية المعقدة وتمنع الاحتكار لفئات معينة ظلت هي التي تتحكم في توفير هذه السلع وتكاد الدولة تخرج تماماً من هذا المجال، وهو الخطأ الفادح الذي تم ارتكابه وها نحن نجني ثمرته المرة الآن ..
> من الطبيعي في مثل هذه الأجواء والحرب على الفساد. أن تتضامن شبكات الفساد مع بعضها البعض في كل مواقعها و أماكن وجودها ونفوذها، وقد تكون خلفها أغراضاً وأهدافاً سياسية لصناعة الأزمات الداخلية وإنهاك الحكومة بها تمهيداً لتأليب الشعب عليها للخروج ضدها، وهنا لابد من رفع كفاءة العمل السياسي وجعل التقديرات السياسية سيدة الموقف دائماً ..

 

 

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة