عثمان ميرغني

سر المهنة!!


هدية من عندي لمن يهمه الأمر.. دائماً هناك مواقف صعبة في الحياة.. وربما يحتار المرء أي الدربين يسلك ليتجنب العواقب العاجلة والآجلة.. سأضع بين يديك فكرة سهلة بسيطة.. اتبعها ولن تندم..
في كل موقف محير تواجهه.. أقلب الزمن.. بمعنى أعد تمرير الأحداث من النهاية أولاً.. ثم تأمل في المسار الهابط نحو البداية.. هنا ستكتشف الفرق الكبير..
مثلاً..!!
المنصب الحكومي الذي أنت تشغله الآن.. مطلوب منك اتخاذ قرارات معينة.. وبحساباتك الشخصية تظن أنك رابح وتظل تربح أكثر كلما كنت مطيعاً لأجندة غيرك.. مطية ذلولاً عند الطلب..
قبل ارتكاب أي قرار.. أعد مراجعة الشريط بـ)القلبة( أنظر في آخره أولاً ثم تدرج إلى الخلف لتصل موقفك الآن.. ستكتشف أنَّ كل الأرباح الوظيفية التي حسبتها ماءً كانت سراباً.. في النتيجة النهائية خيبة كبيرة تجر وراءها ندماً أكبر..

مثلاً.. مثلاً..!!
لو كنتَ في موقع أنت فيه مسؤول عن الصحافة السودانية.. وتعلم الآن أنَّ الحكومة تخطط وتعمل وتنفذ سيناريو التأميم الثاني للصحافة السودانية.. وينالك ثواب أكبر – من السلطة طبعاً- كلما تشجعت أكثر في حماسك لإكمال هذا السيناريو بأعجل ما تيسر.. ويساورك إحساس كبير أنك تربح بقدر ما تساعد السلطة، أن تربح معركة الصحافة بأفجع ما تيسر..
الآن استخدم الطريقة التي نصحتك بها.. أقلب الآية.. ومرر الشريط من النهاية إلى البداية.. بالطريقة التي سأشرحها لك الآن..
اقفز إلى آخر الشريط .. ستكتشف أنه )فاضي( ليس فيه إلاَّ الصوت الشهير )شخخخخ( الذي نسمعه حينما ينقطع إرسال التلفزيون.. إذاً.. أنت مررت الشريط أكثر مما يجب.. تعال راجعاً أكثر.. ما زالت )الشخشخة(.. استمر في الرجوع ..

)الشخشخة( التي سمعتها تعني انقطع إرسالك وأنك غادرت المنصب، خرجت منه وتركته لغيرك.. فلذا ليس فيه )إرسال( خاص بك.. فاستمر في )ترجيع( الشريط للخلف.. حتى تتجاوز )الشخشخة( وتصل إلى )مناظر( تؤكد أنَّها آخر لحظات لك قبل مغادرة المنصب.. الآن هنا اوقف الشريط.. وتأمل..!!
بعد كل ما فعلته وارتكبته لصالح بقائك في المنصب.. ففي النهاية ليس في آخر شريطك إلاَّ )الشخشخة( التي تؤكد خروجك من المنصب.. وهي حقيقة أبدية غير قابلة للجدل تلخصها الحكمة المعروفة )لو دامت لغيرك.. لما آلت إليك..( مهما فعلت وارتكبت.. فـ)شريط حياتك يا ولدي هو المكتوب(.. ينتهي بـ)شخشخة( تدل على نهاية الإرسال.. إرسال الوظيفة.. ومغادرتك الكرسي الوثير..
عندها ستكتشف أنَّ كل ما جمعته من أرباح الوظيفة هو مجرد أطلال جاه ومال ذهب مع الريح ولم يبقَ وراءك إلاَّ صنائع المعروف.. أو )عمائل( المنكور..
خلافاً لما قال عنترة بن شداد في معلقته:
فإذا شربتُ فإني مستهلك مالي.. وعرضي وافر لم يكلم
أزهقت )عرضك الوظيفي(.. وأكلمته..!!
‏‏‏‏

حديث المدينة
عثمان ميرغني