تحقيقات وتقارير

الرئاسة..الحرب على الفساد

رهن عدد من الخبراء والمراقبين معافاة الاقتصاد السوداني بمحاربة الفساد والمفسدين، وهو ذات الاتجاه الذي أعلنته رئاسة الجمهورية خلال خطاب رئيس الجمهورية المشير عمر البشير أمام المجلس الوطني في فاتحة أعمال دورته الحالية،

وهو ما اعتبره المواطن السوداني خطوة جادة لاجتثاث الفساد وبطش المتلاعبين بالأمن الاقتصادي..(الانتباهة) ومن خلال هذه المساحة وضعت هذا الملف الخطير بين يدي القراء لإعادة قراءته بعد تحليله ومعرفة إلى أين وصلت تلك الخطوات التي استبشروا بها خيراً، ولك متابعتنا وما أدلى به محللون سياسيون واقتصاديون وقانونيون وجهات مختصة.

إقرار رئاسي:

اتهم الرئيس عمر البشير ما أسماها (شبكات الفساد) بالسعي لتخريب اقتصاد البلاد وسرقة اموال الشعب وقال ان لديها امتدادات داخل البنوك، وتعهد بشن “حرب” على هذا الفساد في كل مكامنه وبتر المضاربين والمتلاعبين بالاقتصاد ،وتطبيق قانون الثراء الحرام ومن أين لك هذا بصرامة ، وقال البشير في خطاب امام البرلمان ان “شبكة من المتعاملين في تبديل العملات الاجنبية والمهرّبين تسعى لتدمير اقتصاد البلد”وكشف البشير عن وجود شبكات فساد مترابطة قال انها استهدفت تخريب الاقتصاد القومي من خلال سرقة أموال الشعب وكان لا بد من تدخله كرئيس بحكم مسؤوليته الدستورية عن الاقتصاد الكلي الذي شهد استهدافاً مباشراً لضرب استقرار البلاد وزعزعة أمنه .

الشارع العام:

عقب تصريح الرئيس وإعلان محاربة الفساد لتطهير البلاد وقفت “الانتباهة” وقفة ميدانية لتجمع آراء المواطنين باعتبارهم جزءاً اصيلاً واصحاب حق في المال العام اخذت “الانتباهة” عينة عشوائية اتفقت حول ضرورة محاربة الفساد لإصلاح حال البلاد. وقال ابوخالد نأمل ان لا تكون مكافحة الفساد مجرد شعارات ونحتاج ان تنفذ على ارض الواقع، بينما قال ابو ابراهيم اذا صدق الامر فان ذلك سيسهم في تنمية البلاد لا محال ويحسّن من اوضاع المواطنين المهضوم حقهم لتقول المواطنة فاطمة ان المفسدين اخذوا نصيب الغلابة والأرامل والايتام ومثل هذه الخطوة ستعيد الى كل ذي حق حقه .

تجاوزات مثبتة

كشف المراجع العام في السودان عن فساد مالي كبير في عدد من المؤسسات الحكومية بينها مؤسسات سيادية، فضلاً عن زيادة الإنفاق الحكومي بنحو 25% العام الماضي، وقال المراجع العام الطاهر عبد القيوم خلال تقريره السنوي أمام البرلمان إن جملة الاعتداءات على المال العام غير المستردة خلال السنة المالية 2016 بلغت 4,6 ملايين جنيه سوداني مشيراً الى أنها تساوي 0,01% من جملة المصروفات الفعلية. واوضح ان المراجعة ضبطت 15 حالة اعتداء على المال العام من جملة 100 تم البت في احداها قضائياً “بينما لا تزال واحدة اخرى امام المحاكم و10 امام النيابة فيما لا تزال 3 حالات منها امام رئيس الوحدة المعنية” واضاف ان نسبة الاسترداد بلغت فقط 10% من المبلغ المعتدى عليه.
وكشف التقرير عن مساهمة الحكومة في 100 شركة لا توجد لها ايرادات في الموازنة العامة، كما ان عدد الشركات المدرجة في الموازنة فقط 20 من جملة 120 شركة حكومية. واعتبر التقرير ان هنالك جهات حكومية لها نصيب الأسد في الفساد المالي وان هنالك جهات تعمل وفق منظومة مرتبة وشبكات مترابطة. وقال المراجع العام ان جهاز الجمارك حصل رسوماً غير مدرجة في الموازنة تمثلت في ” رسوم غرامة الموديل ورسوم المخالفة والاجر الاضافي ومبيعات الارانيك “. مشيراً الى انها اقامت 21 مزاداً العام الماضي للتخلص من عربات ومهملات بلغت قيمتها 43,6 مليون جنيه “وزعتها مناصفة بينها وجهات اخرى دون سند قانوني”.
واكد التقرير الذي يقع في 85 صفحة ان هنالك زيادة في المصروفات الحكومية وصل الى 25% عما كان عليه في العام 2015 بصرف مبلغ 69.5 مليار جنيه.
واوضح ان هنالك عدم التزام بقرار مجلس الوزراء المتعلق بدرجات تذاكر السفر، حيث تم ترفيع تذاكر بعض الدستوريين وصرف نثريات إضافية لهم بدون تصديق المجلس. وكانت الحكومة قد اعلنت عن سياسة تقشفية خلال السنوات الاخيرة من اجل تقليل المنصرفات الحكومية بعد ان بدأت في تطبيق سياسة رفع الدعم عن بعض السلع الاساسية.

ضعف ولاية المالية:

وخلص المراجع العام الى ان ولاية وزارة المالية على المال العام ضعيفة وبها الكثير من الثغرات والعيوب، بالرغم من تطبيق نظام التحصيل الالكتروني. مشيراً الى ان استمرار غياب “الحوكمة المؤسسية” الجيدة وضعف الإشراف وضعف نظم الرقابة الداخلية وعدم تنفيذ توصيات تقرير المراجع العام سيساعد في عملية الاعتداء على المال العام. يشار الى ان المراجع العام درج على تقديم تقريره السنوي حول مراجعة حسابات المؤسسات الحكومية الى البرلمان ، الذي يكتفي بتشكيل لجنة مختصة لدراسته ، ونادراً ما يتم تقديم المتورطين في الفساد المالي الى المؤسسات العدلية .

نيابة المال العام:

ومن أولى الجهات المنوط بها حماية المال العام والدفاع عنه والسعي لاسترداد ما يتم الاعتداء عليه، نيابة المال العام فهي الجهة التي تبحث عن المتورطين بموجب القانون الجنائي قصدت “الانتباهة” نيابة المال العام للحصول والتعرف على الطرق التي تتم امام ما يعرضه المراجع العام من تعد على اموال الدولة ليقول مصدر عليم ان اول ما تقوم به النيابة هو فتح دعوى جنائية بعد الاطلاع على تقرير المراجع العام الذي لابد ان يكون متماسكاً في محتواه كما يجب ان تكون المستندات واضحة، فهنا يتم تدوين بلاغ في مواجهة المتهمين تحت المادة “177/2 خيانة موظف عام والمادة 123 تزوير ” من القانون الجنائي . وقال مصدر مطلع اما اذا كانت البينة في التقرير غير واضحة فيكون هناك اجراء “تحري وتقصي” بموجب المادة “47” اجراءات جنائية للاستيثاق من الجريمة ، وأشار المصدر الى مطالبة النيابة بشاكٍ مفوض من قبل المؤسسة التي تم عليها الاعتداء ولابد ان يكون ملماً بتفاصيل الجريمة ومدركاً لتقرير المراجعة ، وتابع يتم الاستماع في بداية التحري الى الشخص المفوض من المراجع العام واستجوابه ثم يليه المفوض من المؤسسة المعنية ليتم القبض على المتهمين والتحري معهم وتحويلهم للمحكمة المختصة .

لا تسويات :

ومن الملاحظ ان هناك مؤسسات تعتمد على بند التسويات بين المتهم بالتجاوزات المالية وبين ادارة المؤسسة، حتى يتم ارجاع المبلغ المعتدى عليه دون ايقاع العقوبة الرادعة في مواجهة المتهم، لنجد ان نيابة المال العام تنفي وجود تسويات تجاه التعدي على المال العام ويقول المصدر لـ”الانتباهة” جميع البلاغات التي يتم فيها اثبات البينه تقدم للمحكمة التي تقضي بقرار استرداد المبلغ والسجن لمدة اقصاها المؤبد واقلها “10” سنوات كحق عام وحتى يكون عبرة لغيره واضاف بحجم البلاغ وخطورته تكون العقوبة التي قد تصل “الإعدام” وقال المصدر ان نيابة المال العام احالت حتى اللحظة حوالي 50% من البلاغات المضمنة في تقرير المراجع العام بينما البقية معظمها تحت التحري واخرى لم تثبت بينتها.

إرادة رئاسية:

بعد ان اعلن رئيس الجمهورية عمر البشير في خطابه امام البرلمان الحرب على الفساد والعمل الجاد في مكافحته ومحاربته كان لابد للجهات المختصة بالأمر ان تقف مع هذا القرار حتى يتم تنفيذه على ارض الواقع لتصحيح الاعوجاج الذي احدثته جرائم التجاوزات المالية، وزاد تأثيره السلبي على مستوى سياسات الدولة وانهيار اقتصادها ،”الانتباهة” توجهت الى المجلس الوطني لجمع تفاصيل الخطوات التي شرعت في تنفيذها اللجنة المختصة ليقول رئيس اللجنة القانونية بالبرلمان عثمان نمر لـ”الانتباهة” ان ارادة رئاسة الجمهورية نحو محاربة الفساد قوية وواضحة، وليس امامنا الا تنفيذ التطبيق كما انه ليس هناك ما يمنع ذلك ” فكل من الارادة والنيابة والمحاكم المختصة موجودة ” فقط علينا البدء في التنفيذ، واضاف الى ان رئيس الجمهورية وجه بإنشاء الية لمكافحة الفساد ومحكمة مختصة بجرائم الاعتداء على المال العام والمخالفات التي تتم داخل المؤسسات والهيئات الحكومية .

عدم جدية:

تصريحات رئيس الجمهورية التى اطلقها لمحاربة الفساد ، زرعت أملاً في نفوس الجميع بمحاولة جاده للقضاء على الفساد، ويقول المحلل السياسي د. الطيب زين العابدين لـ”الانتباهة” حتى الان لم تثبت الحكومة جديتها في محاربة الفساد مستنداً على تقرير المراجع العام الذي لم تصل معظم بلاغات التعدي على المؤسسات الحكومية التي تضمنها الى المحكمة ، وكثيراً ما نسمع ببلاغات فساد لكن لا نسمع عن محاكمة المفسدين ، بالرغم من انها تأتي مفصلة في التقرير بعد مراجعة تستمر وقتاً طويلاً لنجد ان وزارة المالية لديها مراجع خارجي في كل مؤسسة مع وجود المراجع الداخلي الذي يتبع لذات المؤسسة وتتم المراجعة سنوياً بشكل راتب ويكشف التقرير عن وجود الكثير من الأموال المجمدة داخل المؤسسات ولا تورد الى وزارة المالية ومع ذلك لم تتم محاسبة المخالفين وردعهم، وقال زين العابدين ان من اولى الخطوات التي تساعد على محاربة الفساد تنفيذ تطبيق آلية المكافحة التي نادى بها الرئيس منذ اكثر من عامين ولم ترى النور بعد، واكتفت الحكومة بتعديل القانون الذي تحفظ على حماية وحصانة المسؤولين في الوقت الذي يجب ان يطبق القانون على الجميع . واضاف لابد ان تثبت الحكومة جديتها في محاربة الفساد وتستند على تقرير المراجع العام .

استشراء الفساد

وجاء توضيح وتفسير المحلل الاقتصادي حول قضايا الفساد بالبلاد بانها تعطل التنمية الاقتصادية بالبلاد، وقال المحلل الاقتصادي د. محمد الناير لـ”الانتباهة” ان العمل بطريقة غير مشروعة باموال طائلة يقود الى ارتفاع اسعار الدولار التي يدفع ثمنها حوالي 40 مليون نسمة، واضاف ان خطوة القضاء على الفساد ضرورية للدفع بعجلة الاقتصاد ، وقال ثمة خطوات لابد اتباعها لاجتثاث الفساد من جذوره بداية بتطبيق مشروع انشاء مفوضية مكافحة الفساد التي كانت اولى مخرجات الحوار الوطني، وتليها اهمية تفعيل النيابات المختصة وتقوية القوانين التي تبطش بالمفسدين واشار الى اهمية ان تطبق القوانين على كافة المخالفين سواء موظفين او مسؤولين دون استثناء حتى تكتمل خطوات المحاربة الحقيقية بدلاً من تنفيذ العقوبة على البعض ، ولفت الناير الى وجود اشكال متنوعة للفساد منها استغلال النفوذ ومنح عطاءات لشركات بطرق غير مشروعة وتعيين موظفين غير مؤهلين في مناصب عليا. وقال بمعالجة تلك الامور سيتم ارجاع الاموال المعتدى عليها الى خزينة الدولة و سيتعافى اقتصاد البلاد.

صحيفة الانتباهه.