منوعات

شهرة الملوخية السودانية في الدول العربية قادت الفنان الراحل عبد الحليم حافظ لطلبها عند زيارته إلى البلاد

الملوخية من الأكلات المشهورة في البلاد العربية التي انتقلت إلى بقية الدول فيما بعد، نما إلى علمي أن ملوخيا أو ملوخية هي كلمة في اللغة المصرية القديمة مركّبة من لفظين (ملو) و(خيا). (ملو) تعني (كلوا) بصيغة الأمر و(خيا) هي نبتة ضارة وعديمة الفائدة، كما كان يعتقد المصريون القدماء.
عندما احتل الهكسوس مصر أجبروا المصريين على أكل الـ (خية) وقالوا لهم: (ملو خية) أي كلوا خية اعتقادا منهم بأن المصريين سيموتون عند أكلهم لها وبذلك يتخلّصون منهم، أكل المصريون الملوخية غصبا عنهم ولكن بمرور الزمن أعجبتهم وازدادوا بها صحة وعافية وتفننوا فى طبخها خصوصا مع الأرانب وصاروا (يموتوا فيها) بدلا من أن (يموتوا منها).
الحال في السودان
في اعتقادي أن ملوخية منسوبة لإله الكنعانيين (ملوخ) الذي اتصف بالعدوانية والنزعات الشريرة، ولذلك كانت غير مرغوبة بالنسبة للمصريين القدماء. نحن في السودان نأكل الملوخية مطبوخة ونستفرد بأكلها مفروكة ونسميها (خدرة)، وعلى ذكر الخدرة المفروكة كانت (فرقة أضواء المدينة) المصرية قد زارت السودان أوائل الستينيات وضمت فيمن ضمت عبدالحليم حافظ وصباح وشادية وشكوكو وأبو لمعة وغيرهم. في أول الثمانينيات زارني في منزلي بالدمام في السعودية المرحوم الفنان محمد حسنين عندما كان مقيما في مدينة الرياض، وحكى لي عن زيارة الفرقة، وأن السيد محمد أحمد محجوب قد دعا أعضاءها إلى وليمة غداء في منزله وكان هو من ضمن المدعوين.
مائدة عامرة
أبو سريع لا يخفي إعجابه الشديد بشخصية المحجوب وأسلوبه الراقي في التعامل الحضاري مع الحياة. كانت المائدة عامرة بالطيبات وكان من ضمن الأصناف كسرة ومفروكة خدرة وهذه طبعا أكلة غريبة على المصريين. عندما لاحظ المحجوب الحيرة التي شابت المدعوين عن ماهية ذلك الصنف وكيفية تناوله أمسك بالشوكة والسكين وأخذ لفة من طبق الكسرة وو ضعها في صحنه ثم غرف بالمعلقة الكبيرة من ماعون ملاح الخدرة المفروكة وصبّها على الكسرة وبدأ في تناول تلك الخلطة بالشوكة والسكين تحت متابعة أعضاء الفرقة المشاركين في المائدة، وكلهم تصرفوا كما فعل المحجوب، وأقبلوا على الكسرة ومفروكة الخدرة وتركوا مواعينها فاضية ولم يخفوا إعجابهم بطعمها اللذيذ من خلال تعليقاتهم عليها خصوصا من أبو لمعة، هذا بعض ما حكاه لي الفنان الراحل محمد حسنين عن زيارة فرقة أضواء المدينة للسودان.
ضيوف نوعيون
ذات مرّة حضرنا وجبة غداء مع عمنا المرحوم الشيخ مجذوب مدثر الحجّاز، وهو كما نعلم كان شيخ الطريقة التيجانية في السودان ومن ضمن الحاضرين ضيف من السفارة النيجيرية، وصلت صينية الغداء وقعدنا حولها على الأرض وكان من ضمن الأطباق ملاح خدرة مفروكة ولفات الكسرة موزعة حول الصينية. شيخ مجذوب قال : “باسم الله اتفضلوا”. يبدو أن الضيف النيجيري ليس لديه فكرة عن أكلاتنا السودانية، فكان أول من مدّ يده إلى لفة الكسرة التي أمامه وأخذ منها طرقة ثمّ فردها وشبكها على ياقة قميصه متدلية على صدره وكأنها (فوطة)، أسرع أخونا مدثر مجذوب ولفت نظره بأسلوب ظريف مع البيان بالعمل إلى أنها ليست (فوطة) بل كسرة خبز وأنها للأكل وليست للوقاية من الأكل.

زين العابدين الحجّاز – صحيفة اليوم التالي