ما زال العرض مستمراً الخارجية و(المركزي).. سجال على صفيح ساخن
يبدو أن مسلسل معاناة البعثات الدبلوماسية في الخارج يتكرر للمرة الثانية توالياً خلال أربع سنوات، ففي العام 2014م أكدت وزارة الخارجية أنها لا تتحمل مسؤولية بيع عقار مندوب السودان الدائم في الأمم المتحدة بجنيف، وأشارت إلى أن مقار سكن السفراء تقع تحت مسؤولية مجلس الوزراء ولا يتم التصرف فيها إلا بموافقته. إلا أن ذات الوزارة كشفت أن عددا من بعثاتها الدبلوماسية بالخارج تعمل في ظروف مالية صعبة وتظل تنشط لشهور بدون استلام أي تحويلات مالية.
وحينما وافق البرلمان في موازنة العام 2018م بمصروفات مخطط لها بقيمة 173 مليارجنيه وإيرادات متوقعة بقيمة 116 مليار جنيه أي بعجز 57 مليار جنيه يعادل حوالي 33%، ذهبت كل التوقعات إلى حدوث عجز في الميزانية لجهة عدم التزام المالية بالوفاء بطرق الدفع ما لم تسع الدولة إلى إيجاد بدائل لسد العجز وهو أمر يبدو معلوماً للبرلمان قبل أن يعتلي وزير الخارجية السابق منصتها، ويؤكد وجود عجز في دفع مصروفات والتزامات الحكومة تجاه بعثاتها الدبلوماسية.
عجز
بحسب تصريحات رسمية سابقة لوزير الخارجية المقال، غندور فإن إجمالي مصروفات وزارة الخارجية 25 مليون دولار في العام، فإذا كان هذا التقدير عندما كان سعر صرف الدولار كمثال 15 جنيهاً سودانياً، فذلك يعني أن إجمالي المصروفات هي 375 مليون جنيه وبما أن سعر الصرف قد أصبح 30 جنيهاً للدولار فذلك يعني أن إجمالي المصروفات يصبح 750 مليون جنيه، وهي في كل الأحوال تعني أقل من 1% من إجمالي الإيرادات المتوقعة بموازنة 2018، وأشار إلى أن المتأخرات في حدود 7 أشهر فيمكن القول إن نصف المصروفات في حكم المطلوبة.
ويرى مراقبون وجود غياب تام للإدارة الرشيدة لترتيب الأولويات وأهمية الصرف الذي يجب أن يقوم بتوضيحه وزير المالية، ويرجعون الفشل إلى الحكومة وليس لوزير الخارجية. أما أولى الجهات التي يلقي عليها باللائمة، فهي البرلمان الذي أجاز الموازنة بما فيها من عجز واضح للعيان.
مشكلة سياسية
يرى الخبير حمدي حسن أحمد أن غياب الوفاق الوطني بين مكونات الحكومة السياسية هو السبب الحقيقي لجميع المشكلات الأخرى التي يعاني منها الجميع مطالباً بإعادة النظر في الميزانية الحالية. كما أن الخبير الاقتصادي الدكتور حسن أحمد طه يطالب بإعادة النظر في الموازنة الحالية، ويقول: تظل هنالك أسباب أعمق تحتاج إلى إجراءات لمواجهة الوضع الاقتصادي، لابد من زيادة الإيرادات الحكومية الحقيقية وعدم الاستدانة من النظام المصرفي، وينبغي خفض الإنفاق وإعادة ترتيب الأولويات في الموازنة الحالية، وأضاف: أنا لستُ من أنصار عدم مراجعة الميزانية، لابد من الجلوس ومراجعتها حتى تعكس الأولويات، وهذا الأمر يتطلب اتخاذ قرارات جريئة للإصلاح العام ومراجعة الإنفاق على المستوى الكلي.
مسؤولية
حينما ورد على لسان وزير الخارجية المقلل إبراهيم غندور أن البعثات الدبلوماسية السودانية بالخارج لم تتلق مصروفاتها إضافة لأجور العاملين بها لأكثر من سبعة أشهر، حمل وزير الخارجية مسؤولية هذه المشكلة لبنك السودان المركزي، وكما يعلم الجميع أن بنك السودان المركزي مهمته تنفيذ عملية تحويل الأموال عبر مؤسساته المالية والمصرفية ليتم استلامها كعملات أجنبية بالدول المختلفة أي أنه يجب أن تكون هنالك أموال بالعملة السودانية، وذلك من صميم ومسؤولية وزارة المالية، وليس بنك السودان.
وهنا يأتي السؤال، هل قامت وزارة المالية بتوفير الأموال وفق موازنة الدولة أم تكمن المشكلة في توفير العملات الأجنبية أم إن وزارة المالية لم تلتزم أصلاً بتوفير الأموال حتى يقوم بنك السودان بعملية تحويلها.
تراشق
تذهب جميع الآراء إلى أن إقالة غندور، جاءت بسبب تصريحاته حول تلكؤ البنك المركزي في توفير نحو 69 مليون دولار لإنقاذ الدبلوماسية السودانية لتسلط الضوء مرة أخرى على أزمة السيولة التي تمر بها البلاد.
إلا أن بنك السودان المركزي سارع بتكذيب الوزير المقال، مؤكداً التزامه بتوفير كافة احتياجات الوزارات والمؤسسات الحكومية واستحقاقاتها من النقد الأجنبي على الرغم من شح في موارد النقد الأجنبي وصعوبة التحويلات عبر المصارف بسبب الحظر الاقتصادي في السنوات السابقة.
وحسب بيان الناطق الرسمي باسم البنك المركزي سامي عبد الحفيظ، فإن البنك استمر منذ 2008 في سداد مستحقات وزارة الخارجية بصورة طبيعية.
إلى الواجهة
أعادت أزمة إقالة غندور، ملف شح السيولة في البلاد إلى الواجهة مرة أخرى، وكانت الحكومة شرعت خلال الفترة الأخيرة في تطبيق إجراءات غير معلنة رسمياً من بنك السودان المركزي لعلاج الأزمة، وذلك بتحديد سقوف السحب النقدي بقيمة تتراوح بين 10 و20 ألف جنيه من المصارف وألفي جنيه من الصرافات الآلية، مما جعل أغلب عملاء المصارف يشكون من عدم القدرة على صرف مبالغ مالية كبيرة من أموالهم المودعة بالمصارف.
ولكن بيان البنك قال إنه سدد التزامات وزارة الخارجية بنسبة 92% في العام 2017م شمل ذلك مرتبات وإيجارات وتوفير كافة الاحتياجات رغم شح النقد الأجنبي.
وتعهد البنك المركزي بسداد متبقي الاستحقاقات قبل انتهاء الثلث الأول من العام الجاري. مؤكداً تلقيهم خطاب شكر وتقدير من وزير الدولة بالخارجية بتاريخ 18 مارس الماضي. ورغم بيان البنك إلا أنه يجد صعوبات كبيرة في توفير العملة الصعبة لمواجهة التزاماته من الاستيراد وخاصة السلع الاستراتيجية مثل القمح والبترول.
ويتجه إلى شراء العملات من السوق الأسود لتوفير النقد الأجنبي في ظل عدم تمكن البنوك التجارية من إرسال واستقبال الأموال من الخارج بالرغم من رفع العقوبات الأمريكية منذ أكتوبر الماضي.
اجتماع
تواترت أنباء يوم (الأحد) أخبار تفيد بانعقاد اجتماع عاجل جمع محافظ بنك السودان المركزي حازم عبد القادر الذي تم استدعاؤه من القاهرة والوزير المناوب بوزارة الخارجية محمد عبد الله إدريس بالقصر الجمهوري لمراجعه متأخرات وزارة الخارجية التي أثارت ضجة مؤخرًا وسط الرأي العام بعد بيان وزير الخارجية أمام البرلمان الذي أدى إلى إقالته بواسطة رئيس الجمهورية. ووفقاً لبعض المصادر التي نشرت في الصحف أمس، فإن الاجتماع امتد لساعات تمت فيه مراجعة الحسابات المشتركه بشأن ميزانية الخارجية، في ظل اعتراف المحافظ بوجود متأخرات لوزارة الخارجية تبلغ (٢٩) مليون دولار وهي تمثل متأخرات سبعة أشهر، حيث التزمت رئاسة الجمهورية بالسداد الفورى. وانتقد كثيرون مسارعة البنك المركزي ونفيه وجود متأخرات في بيانه في الوقت الذي يعترف فيه بتأخير دفع التزامات السفارات في اجتماعه الأخير مع أنه يؤكد تارة أخرى بأنه سيبدأ في سدادها عاجلاً.
تقرير: عاصم إسماعيل
صحيفة الصيحة.