عثمان ميرغني

عودة “ديجانقو”


الطرفة المشهورة تحكي أنَّ رجلاً كان يراقب عصفوراً دخل إلى حجرته من النافذة ثم خرج من النافذة الأخرى، فقال الرجل بمنتهى الدهشة )يعني عملت شنو؟؟؟(.
الآن وبعد مشاهدة المطاردة المثيرة بين الحكومة والدولار والترتيبات التي اتخذت لحوالي ثلاثة أشهر، عاد الدولار للارتفاع مجدداً أمام الجنيه السوداني.. ويقترب من الرقم القياسي الذي وصله شهر فبراير الماضي.. ليؤكد ما ظللنا نكتبه هنا ولَم نضجر من تكراره أنَّ الأزمة سياسية تظهر أعراضها اقتصادية.. ومهما اجتهدت الحكومة في استنباط سبل كبح جماح التدهور الاقتصادي، فلن تظفر إلاَّ بمزيد من الفشل طالما أنها تأبى تناول الدواء المر.. علاج السياسة قبل الاقتصاد..

لكن عودة الدولار تأتي الآن في طقس مختلف تماماً.. درجة حرارة الأسعار لا تطاق.. كل السلع خاصة قائمة الطعام الأساسية بلغت أرقاماً خرافية، أمس اشتريتُ كيلو اللحم البقري بـ170جنيهاً.. ولَم يعد مناسباً إبداء أي اندهاش.. فماراثون الأسعار لا علاقة له بالواقع أو الأمنيات..
ويعود الدولار للارتفاع في ظل أزمة وقود خانقة.. أدت لتعطل الحركة التجارية بصورة مخيفة.. دخلت السيوبر ماركت أمس وبدت غالبية الأرفف خاوية.. فلم تعدْ المشكلة في الأسعار وحدها بل تفاقمت ووصلت إلى مرحلة الندرة .. شلل الحركة التجارية..

والأخبار الواردة من مناطق الإنتاج الزراعي ترسم مشهداً قاتماً.. عمليات الحصاد تعطلت لشح الوقود.. ويقترب الموسم الصيفي بسرعة ولا أحد يعلم كيف تتحرك آليات الزراعة.. وضع خطير للغاية، لكن الأخطر منه أنَّ لسان حال الحكومة لا يبرهن أنها مدركة لخطورته.. فلا تزال أولويات الحكومة في وادٍ غير ذي زرع.. منصرفة ومشغولة بترتيبات الانتخابات وتعديل الدستور.. وإجازة قانون الصحافة لتضمن إكمال عملية التأميم الثاني للصحافة السودانية..
إن كانت الحكومة وبسهولة تخلصت من المعارضة التي حاولت بعض الأحزاب النزول بها إلى الشارع في مواجهة الموازنة.. شهر يناير الماضي إلاَّ أنَّ الذي نزل إلى الشارع الآن ليس أحزاب المعارضة.. بل هو حال البلد الذي لم يعدْ يحتاج لمن يذكر الناس به أو يستثيرهم.. فهو حال كل بيت بل وكل مواطن سوداني..
الوقت لا يسمح لمزيد مِن اللجلجة.

حديث المدينة – عثمان ميرغني