العرب والعالم
ضمتنا جلسة اجتماعية بعيداً عن السياسة وقريباً من هموم الوطن مساء أول من أمس بالعاصمة القطرية الدوحة، اجتمع فيها شتيت ثلة من الأصدقاء وبعضهم أبرز القيادات الفكرية والعلمية والصحفية،
وعلى رأسهم سفيرنا بالدوحة الأستاذ فتح الرحمن علي والبروفيسور التيجاني عبد القادر الأستاذ بجامعة قطر والدكتور محمد محجوب هارون والأستاذ فوزي بشرى الإعلامي الساطع بقناة (الجزيرة) والصديق العزيز الصحافي المهاجر الحاضر رغم هجرته في المشهد اليومي الأستاذ عادل الباز، وآخرون من الإخوة الأعزاء بالدوحة، في الأنس الجميل ومرأى ما يدور في المنطقة دواعيها وتداعياتها وانعكاساتها على السودان، وما يشهده السودان نفسه من تطورات وصعوبات اقتصادية، وجدنا أنفسنا جميعاً في لجة من الأسئلة المشروعة والحرص على بقاء الأمل متقداً ونابضاً، والليل حولنا يسدل أستاره، ومياه الخليج العربي وأمواجه تسترق إلى ذلك الرحيل والخفقان المشفق.
> وخلاصة الحوار والنقاش الطويل أن أكثر ما يفسر ما نعيشه اليوم من تحديات، هو تضييع كل عهود الحكم الوطني المورد البشري السوداني وهو أغلى وأهم ثروة وطنية، فكثير من الكفاءات العلمية الاقتصادية والفكرية والسياسية الموجودة بالداخل أو هاجرت للخارج لم تجد فرصة للعمل أو الإسهام في صياغة وصناعة القرار في البلاد، ولم يُستفد منها في أي مجال من المجالات.
> وكنا طوال جلستنا الاجتماعية النقية الصافية نتناقش في المعضلات الفكرية والتاريخ والأزمات الاجتماعية والتحولات في مسارات المجتمع ومحركات التفاعلات الجارية حالياً، وتعرِّج أحياناً لأسئلة الفكر والتاريخ والفقه والحاضر المعاصر.. وأسأل نفسي لماذا لم تستفد بلادنا من مفكر كبير وعالم ضخم مثل الدكتور التيجاني عبد القادر أو د. محمد محجوب هارون، وكلاهما لا تخطئه العين ولا تتغافل عن نشاطه أو كسبه وهمته ومساهماته في الأربعين عاماً الماضية مُذ كانا طلاباً ومشتغلين بالهم السياسي والفكري والتفاعل الاجتماعي.
> وتبدو أزمة المورد البشري وإهماله معضلة حقيقية لا مجال للتغاضي عنها، ولعلها سبب من أسباب التخلف عن مواكبة النهضة والتنمية وعائق ملحق للتقدم والازدهار، فكم من الكفاءات السودانية خلال نصف قرن تصرَّم وهم موزعون في مهاجر مختلفة كان لهم الدور الأكبر في بناء نهضة دول من حولنا، أو برزت قدراتهم في أصقاع وأطراف العالم وأقاصيه؟!
> ومحزن حقاً أننا نحقق بأنفسنا تجليات الأمثال السودانية العتيدة، خاصة مثلنا الذي يشبه حالة كفاءاتنا المهاجرة بأنها مثل الدليب الذي يلقي ظله بعيداً، غير أننا في هذه الحالة أجبرنا ( دليبنا) على أن يهب ظلاله الوارفة ويتركنا في الهجير نتلظى من الحرور!!
> ومن الصعب التفكير في نهضة حقيقية تنتظم المجالات كافة، دون أن نهتم بالمورد البشري ونسعى إلى إحداث التغيير في قلب الإنسان السوداني وإجراء التغيير فيه، ولن يتحقق ذلك التحول إلا بإفساح المجال للعقول المستنيرة وأهل التعمق والنظر، فكل الأمم نهضت بخبرائها وعلمائها ومفكريها ومنتجي الأفكار الكبيرة والبرامج السياسية والاجتماعية الفاعلة، ومن الضروري إيلاء اهتمام كبير بترقية وتطوير مناهج التعليم ومؤسسات إعداد الفرد وتجهيزه وتكوينه المعرفي، فمستقبل هذه البلاد مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتنمية الاجتماعية أولاً، إن صلحت صلح كل شيء، وإن فسدت أنهار وطن بكامله.
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة