الصادق الرزيقي

مرحباً آبي ..


في ثاني زيارة خارجية له منذ توليه رئاسة الحكومة في إثيوبيا بعد زيارته جيبوتي، يحل اليوم السيد آبي أحمد علي رئيس الوزراء الإثيوبي ضيفاً على الخرطوم بدعوة من السيد رئيس الجمهورية، وهي زيارة لها مغزاها ومدلولها وأهميتها السياسية والاقتصادية،

في وقت تشهد فيه المنطقة كلها تحولات كبيرة وتحديات عظيمة، خاصة القرن الأفريقي والمحيط الأفريقي والجوار العربي. وما يجمع البلدين السودان وإثيوبيا من روابط ومصالح ومنافع مشتركة، هو الذي يعطي الزيارة طابعها الخاص وإشاراتها التي لا تخطئها عين، باعتبار أن للبلدين هموماً وقضايا يتشاركانها تتطلب منهما العمل معاً والتعاون البنَّاء من أجل تحقيقها وتمتين الرابط بين الشعبين .

> سيجري رئيس الوزراء الإثيوبي مباحثات مع السيد الرئيس البشير ويلتقي نائبيه وكبار قيادات الدولة، ويزور بعض المؤسسات والمشاريع الزراعية والصناعية، ويقف على التجربة السودانية في مجالات مختلفة، لكن الواضح أنه لم يكن بعيداً عن السودان و ما يجري فيه، ولديه معرفة وعلاقات جيدة مع بعض كبار المسؤولين، ويفهم أن العلاقات بين الجارين تحكمها أس وقواعد ومعادلات واضحة، يجب رعايتها، أهمها الإكثار من الموجبات ونقط الالتقاء والتعاون وتقليل مؤشرات الخلافات وحصرها في المستوى الصفري .

> من الأجدى في هذه الزيارة أن يقوم السودان ليس كطرف ثالث أو محايد فقط، بل كطرف حريص ولتذليل كل العقبات لإزالة كل أسباب سوء التفاهم في ملف سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، وصناعة مناخ التوافق الثلاثي المطلوب الذي يجعل من هذه الدول تنتفع معاً من مياه النيل ومن سد النهضة الإثيوبي. فالسودان واسطة عقد في هذه المنظومة الثلاثية، وهو المستفيد الأول من علاقات مستقرة في الإقليم وفي منطقة دول حوض النيل الشرقي، فواجبه أن يدفع بالتفاهم وحل الخلافات الى خاتمة أشواطها، خاصة أن الاتفاق الإطاري أسس لهذه المشتركات وعلاقات تبادل المنافع والمصالح، وكان اللقاء الثلاثي بين الرئيسين البشير والسيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايلي ديسالين على هامش القمة الإفريقية في يناير الماضي بأديس أبابا، قد جسَّر هوة الخلاف و وضع قاعدة ومنصة ينطلق منها التفاهم حول ملف السد وقضايا أخرى .

> لدى السودان وإثيوبيا قضايا وهموم أخرى يتبادلان فيها وجهات النظر ويعملان معاً من أجل التوصل الى حلول حولها، سواء أكان العمل عبر هيئة الإيقاد أم من خلال الاتحاد الإفريقي، مثل ملف الاستقرار في دولة جنوب السودان وصناعة السلام في ربوعها، وملف تأمين منطقة القرن الأفريقي وتجنبيها المواجهات والصدامات والانزلاق في الحروبات، كذلك تعمل كل من الخرطوم وأديس أبابا في ملف المعضلات الأمنية في شرق أفريقيا بوجودهما في قوات التدخل السريع في منطقة شرق أفريقيا، وهي منظومة عسكرية تقوم بمهام وواجبات محددة ومهمة من شأنها أن توطد عرى الاسقرار والسلم في كل دول المنطقة ومحاربة الحركات السالبة مظاهر التمرد والتوترات الأمنية .

> المهم في هذه الزيارة أن السيد (آبي) سيستمع الى الخرطوم جيداً، همومها السياسية والأمنية وأولوياتها في العلاقة مع إثيوبيا وحسم المسائل الحدودية والتجارة البينية والتعاون الاقتصادي ومكافحة الجريمة العابرة للحدود وغيرها من المقلقات للطرفين. وبدوره لديه ما يقوله هنا برغم أن السياسة الإثيوبية ثابتة لم تتغير، والزيارة نفسها تؤكد أن للسودان مكانة خاصة لدى أديس أبابا، وهناك من يقول إن لإثيوبيا دور يجب أن تلعبه في تسريع التوصل الى سلام في السودان في المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) ودارفور، فالملاحظ أن حكومة أديس أبابا التي ظلت تحتضن المفاوضات التي يرعاها ويشرف عليها الاتحاد الأفريقي والآلية الرفيعة المستوى المكلفة من المفوضية الأفريقية، إلا أن الثقل السياسي الإثيوبي ودوره يجب أن يكون أكثر تأثيراً وبروزاً في المرحلة المقبلة حتى يتم التوقيع على اتفاقيات السلام وتهدأ الحرب وتُطوى صفحاتها .

> مرحباً بالسيد (آبي) في بلده الثاني السودان، فقد ظل السودان يلعب دوره التاريخي دائماً مسانداً للشعب الإثيوبي وداعماً له في كل مراحل نضاله الثوري من أجل البناء والاستقرار والازدهار الاقتصادي والنهضة، وسيواصل السودان وقفته القوية حتى تكون هذه المنطقة وهذا الجزء من أفريقيا نموذجاً للتعاون والتكامل الاقتصادي، ومثالاً للتفاهم والنهضة وتبادل المنافع واستغلال الموارد المشتركة من أجل السلام والاستقرار ورفعة قارتنا السمراء..

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة