صناعة الجلود بالسودان مفارقات المواصفات القياسية . . جلودنا مافيها عيب. . العيب فينا نحن
خبراء بيئة : أية دراسة أثر بيئي لمصانع الجلود بالجيلي يستحيل تكون صحيحة
دخل السودان من صناعة الجلود يجب أن يكون على أقل تقدير مليار و200 دولار في السنة
نظمت الجمعية السودانية لحماية البيئة «أمس»منبرها البيئي الاعلامي الأول بعنوان «الآثار البيئية والصحية للمدابغ بولاية الخرطوم» وذلك بقاعة الجمعية بالخرطوم،واتفق المشاركون بالمنتدي علي ان صناعة الجلود بالسودان كانت محكمة ادارياً وتحت اشراف رقابي عالي جداً ولكن عدم استمرارية التدريب للعاملين ومواكبتهم للتقانة الجديدة في هذا المجال أتاحت الفرصة لكثير من الدول في الجوار الاقليمي لتجاوز السودان في هذا المجال،وشهد المنتدي تقديم ورقتين الأولي بعنوان «الآثار الصحية والبيئية للمدابغ» والثانية بعنوان «المفارقات في المواصفات القياسية»
الواقع صعب وخطر
وأوضحت الورقة التي قدمها الخبير البيئي وعضو الجمعية السودانية لحماية البيئة الطاهر بكري،بعنوان»المفارقات في المواصفات القياسية»،ان معظم المدابغ بولاية الخرطوم لاتلتزم بالمواصفات القياسية لصناعة الجلود والحدود القصوي للملوثات في حالة المخلفات السائلة أو الصلبة ،وكشف مقدم الورقة ان هنالك دراسة أجريت لعدد»7» مدابغ بولاية الخرطوم في العام 2017م،بتمويل من مكتب المراجع العام أثبتت نتائج التحليل لعينات المياه المسربة للمصارف أو النيل مباشرة انها غير مطابقة للمواصفات القياسية العالمية،وان الواقع الحقيقي بالنسبة للملوثات خطير جداً وينبئ بالخطر المباشر علي البشر لارتباطه بالمياه لان بعض المصانع تقوم بتصريف مخلفاتها السائلة الي النيل مباشرة.
وأوصت الورقة بوضع قوانين وتشريعات منظمة لعمل المدابغ والاهتمام بإنشاء وحدات رقابة داخلية بالمدابغ فضلاً عن الزامها بإنشاء وحدات للمعالجة الأولية الداخلية لأانها غير موجودة بالكثير من المدابغ ،ونادت الورقة بعدم التجديد للترخيص لأي مدبغة لاتلتزم بدراسة الأثر البيئي ، وضرورة القيام بحملات تفتيش دورية لمراجعة التزام المدابغ بالمواصفات في السلامة البيئية للعاملين بالمدابغ وللمنتج النهائي حتي يستطيع المنافسة في الأسواق الخارجية،ودعت الورقة لضرورة الاستمرار في التوعية الارشادية قبل وقوع الخطأ ويجب متابعة تنفيذ القوانين بطريقة ارشادية وليست عقابية لان الهدف هو ضبط الجودة للمنتج وضمان سلامة البيئة الصناعية .
الحل الأمثل
من جانبه أوضح الدكتور هيثم عثمان عوض الكريم الباحث بالمركز القومي لتكنلوجيا الجلود التابع لوزارة الصناعة الاتحادية ،في ورقته بعنوان «الآثار الصحية والبيئية للمدابغ» ان هنالك مخالفات صحية حقيقية موجودة بالعديد من المدابغ بالسودان وان دراسة الأثر البيئي لايمكن تطبيقها بالعديد من هذه المدابغ نسبة لإنشاء بعضها منذ الخمسينات بالقرن الماضي، وان المعالجات ستكون مكلفة جداً وأعلي من تكلفة إنشاء المدبغ نفسه، مؤكداً بان إنشاء المدينة الصناعية يعتبر الحل الأمثل للسيطرة علي الآثار الصحية لهذه الصناعة لان المدينة الصناعية ستضم كافة الشركاء في العملية الصناعية «وكلاء التجميع ووزارة التجارة والبنوك للتمويل بافضافة لورش التصنيع والخدمات الادارية «،وهذا يساعد كثيراًفي تعظيم الاستفادة من الثروة السودانية الهائلة في الجلود المتنوعة وزيادة القيمة المضافة لهذه الصناعة بالسودان ،حيث أوضح ان دخل السودان من صناعة الجلود لايتجاوز الـ»38» مليون في السنة،بينما يستطيع قطاع صناعة الجلود علي أقل تقدير ان يساهم في الدخل القومي بأكثر من مليار و200 دولار في العام،بعد تقليل التهريب والسيطرة عليه وعدم تصدير الجلود بصورتها الخام مهما كانت الدواعي ،لان دولاً مثل أثيوبيا ومصر أصبحت تصدر الجلود السودانية باعتبارها منتجاً خاصاً بهم مما أفقد السودان الكثير من الريادة في هذا القطاع
وأوضح د. هيثم ان أكبر مشكلة يواجهها قطاع صناعة الجلود بالسودان حالياً التخبط في السياسات الحكومية وعدم ثباتها ،ونبه الي ان هنالك دراسة جدوي أجريت لتحديد انسب موقع لإنشاء مدينة صناعية للجلود بالسودان، وأوصت الدراسة بعد دراسة الأثر البيئي باختيار المنطقة بغرب أم درمان لاقامة المشروع،نسبة لبعد المياه الجوفية مقارنة بمدينتي الخرطوم وبحري،وأضاف هيثم متحسراً :» للأسف تم تحويل المدينة الي منطقة الجيلي الصناعية،بعد تغيير الوزير المعني»، وأضاف ان الأمر بالسودان متوقف علي مزاج الوزراء،وان أي تغيير وزاري يؤثر مباشرة في تغيير الخطط، وعاد الخبيرالبيئي الي التنبيه بان منطقة الجيلي الصناعية لاتصلح لاقامة مشروعات للصناعات الجلدية لانها منطقة زراعية وان المياه الجوفية فيها قريبة جداً مقارنة بأم درمان،وأضاف الدكتور هيثم متحدياً بالقول:» بان أية دراسة أثر بيئي لاقامة مصانع للجلود بمنطقة الجيلي الصناعية،من المستحيل ان تكون صحيحة».
وأوصت الورقة لتقليل الآثار الصحية للمدابغ بوضعها الحالي بالسودان بانه من الأسلم تقليل الملوثات قبل دخول الجلود للمدابغ وضرورة استخدام التكنلوجيا الأحدث في هذا المجال،وتوجيه الاهتمام بالبحوث العلمية والصرف عليها ،وضرورة اعتبار المخلفات السائلة والصلبة بالمدابغ بانها يمكن ان تكون مدخلات انتاج لصناعات أخري وبذلك تستطيع الدولة الاستفادة من القيمة المضافة لهذه الصناعة ،ونادت الورقة بتوعية العامل السوداني بضرورة الالتزام بالزي المخصص والآمن داخل المصنع ،والاهتمام بالتدريب علي أحدث التقانات في هذا المجال، وختم مقدم الورقة بان الجلود السودانية من أفضل انواع الجلود في الاقليم ويمكنها ان تساهم مساهمة فعالة في الدخل القومي السوداني،مضيفاً بالقول « جلودنا مافيها عيب،لكن العيب فينا نحن».
صحيفة الصحافة.