محمد حامد: لا ازال (طلبة) وان أبدلت (المسطرين) بالقلم
صرت اقضي ساعات الليل ؛ ومطالع الفجر مع شباب عمال (طلب) يشيدون بناية لأحدهم ؛ اظنها عمارة من واقع الحفرة العميقة التي برزت للعمق في مكان منزل قديم هد على حسرات الجيران وذكريات من عاشوا فيه ؛ وقد لاحظت مع مطلع الشهر الفضيل كان يأتون بعد العاشرة مساء وينهمكون في صب الالواح والقواعد الاسمنتية ؛ حتى مطلع الفجر ولحظات الإمساك ؛ كانوا يتحرون السكينة فلا تسمع سوى طرقعة الالات ولطم الاسمنت في (الملطم) ؛ احدهم جعل هاتفه في وضع السماعة الخارجية يتابع برامج إذاعية تقطع عادة بدخول مكالمة ؛ يسرع يستقبلها ومرات يرمق سطح ضوء الرنين فيتجاهلها منتظرا قبل الاطمئنان على إنسياب البث ليعود لعراكه مع الاسمنت والحصى ؛ حينما واصلت المراقبة حملت كرسي والقيت عليهم السلام ؛ ظنوني اول الامر من اسرة المالك ثم ادركوا اني فضولي ممن تدفع بهم الطرقات والسكك ؛ تجاذبت معهم بعض الانس ؛ شاركتهم في شرب شاي اعدوه في زاوية على (كانون) استخرجه احدهم من انقاض قديمة ؛ احضرت لهم (صبارة) ماء بارد فتوثقت عرى المعارف ؛ تبادلنا الاسماء والجهات ؛ وعلمت انهم بسبب الصوم عدلوا مواقيت العمل ؛ فذكرت لهم اني عامل بناء قديم ؛ نعم انا كذلك وبدوت مزهوا بخدمتي مع المعلم (بدوي) والمقاول (شجر) والذي له من اسمه نصيب بجسده الضخم مثل شجرة (تبلدية) وهو لاعب كرة مهول انتهى باصابة فس ركبته انهت مسيرته او ربما عقل ! كنا نجد في مهنة (الطلبة) متاحات في الاجازات الصيفية بالمرحلتين المتوسطة والثانوية ؛ حيث نعمل في البناء موزعين بين رص (مكنات) الطوب ؛ وخلط (المونة) ورش الجدر التي في يوم سابق جرت عليها يد (بدوي) وخيط ميزان الماء بذاك السائل المخضر مثل المرارة ! لم يكن على ايامنا متاح حتى في شهر رمضان ومع الصوم لدوام مسائي وان كان معلمنا يبذل الحنو الابوي فيهبط عن (السقالة) في منتصف النهار ؛ يرمق حربنا وازالة تلك العتمة التي يخلفها الاسمنت على البشرة بغبار لايزول او ذاك التشقق المؤذي للبشرة ؛ فنغتسل بثيابنا مرة وثلاثة والاسمنت يبرز بعد الجفاف ؛ نتفرق الى بيوتنا ننتظر الافطار الذي نكتفي منه بشرب الماء القراح كأن في اجوافنا رمل وليس جوف صائم ! ثم يأت الخميس حيث يوم (الدفع) حينها نتحول الى اسود من الخيلاء ؛ تمسك ايادينا النقد ؛ فنروح عن انفسنا وتدس امهاتنا قليل وقليل ؛ اذ اما امامنا العيد او احتياجات المدارس ؛ قميص ابيض ورداء كاكي ؛ او بنطال (بني) حسب المرحلة الدراسية ؛ كان سلوكنا هذا تربية وتقليد لا فرق فيه بين غني وفقير ؛ اذ رافقنا في رحلتنا هذه اصحاب يسار ورغد لكنهم (تطلبنو) معنا ؛ وقد ظل (بدوي) في وجداننا ومحل احترامنا ؛ حتى عهد قريب نغشاه ونزوره بل حتى المنازل التي شدناها كلما امر بها اقرئ جدرانها السلام ؛ كنت ارتشف الشاي ورفاقي الجدد الذين راقهم انهم وجدوا زميل سابق بالحي والجوار فسألني احدهم وماذا تعمل الان قلت لا ازال (طلبة) وان ابدلت (المسطرين) بالقلم فحاروا فقلت ..انسوا
بقلم
محمد حامد جمعة