الصادق الرزيقي

العيش على حبل السراب!!

اجتماعات ما يسمى نداء السودان التي انطلقت نهاية الأسبوع الماضي في العاصمة الفرنسية باريس، سباحة ضد التيار،

ومضيعة للوقت وحرث في البحر ولا طائل من ورائها، فتحالف المعارضة الهش الضعيف، لا يسوى في ميزان الفعل السياسي غير ظاهرة صوتية يضيع صداها العجول دون أن يلتفت إليه أحد، لم تعد هناك تنظيمات معارضة سواء كانت سياسية أو مسلحة تستطيع التأثير على مجريات الأمور في البلاد، فقط مجرد أسماء وشخوص تمثل ذواتها بعد انفضاض السامر وانقسامات الحركات المتمردة مع إشراقة كل شمس، وتراجع حزب الأمة القومي الذي وجد السيد الصادق نفسه وهو في خريف العمر، يطارد خيوط دخان ويحاول إيقاد شمعة في مهب الرياح العاتية.

> تتزاحم الأجندة أمام اجتماع التحالف البائس، ويغرق رموزه الذين تقاطروا على باريس كعبتهم غير المقدسة، يغرقون في لجة الإجرائيات وجدل الأعمال وتفاصيل خطط العمل، ولا طحين يرتجى من تلك الجعجعة الصاخبة، والسيد الصادق يتجشأ الخيبة وهو في متاهته الطويلة لا يدري ماذا يصنع مع الذين أجلسوه رئيساً عليهم ليقودهم وهو يمتطي حصاناً من قصب ورمحاً من ضباب الأحلام النافقة!!

> فقد تحالف المعارضة المخذول كل ما يقربه إلى أية أهداف وضعها في أجندته وفي اجتماعاته السابقة، وبدا كمن يصيح في وادي الصمت، فالمجتمع الدولي لم يعد مشغولاً بالقضية السودانية ولا مهموماً بها، هناك ملفات وقضايا ساخنة تمثل أولوية الأسرة الدولية، والإقليم في غفلة باذخة عما تقوله أحزاب وحركات نداء السودان، فجميع المعارضين من يحملون السلاح ومن يحلمون بالسلطة، كان عليهم أن يتأسوا برفيقهم وعضو هيئتهم القيادية ياسر عرمان الذي سئم النضال الثوري وعاد منه بعد ثلاثة عقود بخفي حنين، وبدأ يبحث عن طريق آخر بعد أن هدَّ كتفه السلاح وقرر إلقاءه عن كاهله.
> لو بحث تحالف المعارضة عن صيغة للحل السياسي وطرح رؤية متقدمة، لكان ذلك أفضل بكثير من مضغ العبارات المعلبة والشعارات الباهتة التي ظلت على الألسن طيلة السنوات الماضية، ولم يكن مردوها إلا البشرى بطول سلامة للحكم في الخرطوم، فما يسمى نداء السودان أعياه المسير الطويل، وبلغت روحه الحلقوم، لا نصر على الأرض، ولا انتصار في ردهات العمل السياسي المفتوح، ولا أذن صاغية في الإقليم ولا المجال الدولي، فليبحث هذا التحالف المشؤوم عن حلول سياسية واقعية بدلاً من الإسراف في التعلل بالثورة المسلحة والعمل العسكري.

> وبطبيعة الحال هناك أفق محدود جداً أمام ما يسمى نداء السودان، مازالت هناك فرصة لبلورة تصورات واقعية والدفع بها إلى منضدة التحاور مع الخرطوم، أساسها الحل السياسي السلمي، وقبول الوثيقة الوطنية وهي أهداف عامة متفق عليها ولا خلاف حولها بشهادة رئيس تحالف المعارضة السيد الصادق المهدي، ثم الدخول في مشاورات جادة حول الدستور القادم الذي ستنطلق عملية الحوار حوله قريباً، وأخيراً المشاركة في الانتخابات القادمة في 2020م، كما قررت الكثير من الفصائل والتنظيمات المعارضة اختيار النزال الانتخابي والعمل السياسي من الداخل، وأمام المعارضة بكل أشكالها فرصة تاريخية للانحياز للخيار السلمي، ومن حقها التكتل وخوض الانتخابات ككتلة موحدة، وعليها الاتعاظ والاعتبار بتجارب سياسية بناءة وفاعلة حدثت في كثير من دول العالم، ومن بينها ما جرى أخيراً في ماليزيا، فليس هناك مستحيل في عالم السياسة، لكن المستحيل السعي لتحقيق الأهداف بفوهة البندقية، ومن وراء البندقية لا يملك عزيمة المقاتلين.

> ويستطيع تحالف ما يسمى نداء السودان، أن يكسب نفسه وتجربته لو قرر بشجاعة كاملة التخلي عن هذيانه بالعمل المسلح والثورة الشعبية وخوض الانتخابات القادمة، لكن من أين يأتي هذا العقل الرشيد والشجاعة الكافية لمن وجد نفسه مغموساً في الأرصفة الأوروبية وتحت رعاية المنظمات المشبوهة يعيش على دماء الضحايا ووهم الحروب التي ستقتلع له النظام في الخرطوم!!

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة