ما بعد الأزمة

بدأت أزمة الوقود الحادة في الانفراج، وخفت أو اختفت نوعاً ما صفوف السيارات المتراصة أمام محطات الخدمة،
وستعود الأمور إلى طبيعتها في غضون أيام قلائل كما تقول الجهات الرسمية، وفي ما حدث درس يجب أن تستوعبه الحكومة جيداً وتعي أسبابه وتتعامل مع أبعاده المختلفة وتمنع تكراره، وهذا يقتضي مراجعات شاملة ومحاسبة صارمة وابتداع حلول واقعية لا تحتاج لعبقريات كثيرة أو كبيرة، فالحاجة إلى ابتداع واستنباط نظام فعال وعملي لضمان استمرار إمدادات الوقود، هو الواجب الذي ينبغي عكوف وزارة الطاقة ووزارة المالية وبنك السودان وسلطات الولايات لإنجازه ووضعه موضع التنفيذ والتطبيق حتى لا نؤخذ على حين غرة كما حدث أخيراً …
> وكان واضحاً منذ البداية أن الأزمة تكمن في عدة جوانب ومستويات، فالشق المتعلق بالتدابير المحلية للبنزين وتوفيره عبر المصفاة والجازولين الذي يستورد جله، هو عملية لا بد أن تتوافر فيها إجراءات وترتيبات مسبقة وواضحة من ناحية توفير التمويل والمبالغ المالية اللازمة للاستيراد أو صيانة المصفاة، وهي مسؤولية البنك المركزي وتستلزم التنسيق الدقيق وتوفير الموارد وضبط سياسات الوارد واتساقها مع مجمل السياسة النقدية.
> ومن العوامل التي أدت إلى الوضع المركب السابق، أن الدولة اعتمدت على جهات في القطاع الخاص كانت تُعطى أفضلية في استيراد الوقود خاصة الجازولين وغاز الطبخ، ونتيجة للإجراءات التي تمت في القطاع المصرفي وما يتعلق بحصائل الصادر وضبط عملية الاستيراد، فإن تنظيم عملية توريد الوقود من الشركات تحتاج إلى تأهيل شركات مقتدرة من القطاعين العام والخاص، لها خبرة جيدة بهذا المجال الحيوي المهم ولها علاقات تمكنها من تسهيل عمليات التمويل وتوفير العملات الأجنبية والتعامل مع البنوك الخارجية.
> ومن واقع التجربة العملية فقد كشفت الأزمة الأخيرة في نقص الوقود عن فجوات وخلل مريع في آليات الضبط والمراقبة ومتابعة قنوات التوزيع، دعك من محاربة التهريب ونشوء السوق السوداء والمتاجرين بالسلع الضرورية، ويقع على عاتق الولايات والسلطات المحلية عبء كبير في وضع وتطبيق الضوابط الصارمة في عمليات التوزيع ومراقبة الشركات التي تعمل في إمدادات الوقود، وليس من الحكمة ترك الحبل على الغارب مرة أخرى، فالخشية من الانتكاس ستجعل السوق السوداء أكثر توحشاً من ذي قبل، وستتفاقم الأوضاع ولن يكون هناك حل أبداً إذا طاف طائف من هذه الجائحة للمرة الثانية.
> إذا استفادت الحكومة من الدرس ووعته جيداً، تستطيع إدارة أزماتها والتعامل مع كبواتها، بالقدر الذي يمكنها من تجاوزها بسهولة ويسر، فالمشكل في ذاته إداري محض، سوء إدارته أدى إلى تعقيده واستفحاله، فإحكام تنسيقات العمل الإداري سيؤدي تلقائياً إلى نتائج جيدة ويمنع تكرار الأخطاء وتجدد الأزمة.
> على قيادة الدولة الحكومة أن تقدر وقفة هذا الشعب معها، فرغم ضيق الحال وشظف العيش وتوالي المحن عليه، صبر على الأزمة وتحملها في جلد وأناة، لم يتضجر أو يسأم أو يحتج أو يخرج للشارع أو يستجيب لدعوات المعارضة الخرقاء بالتظاهر والاحتجاج، تحمل الشعب العظيم في اصطبار نادر هذه الأيام القاسية حتى مرت، فهل ستجتهد الحكومة لتعويضه العسر بيسر يزيل عنه الرهق والعنت والنصب؟! فأقل ما يمكن بذله من الحكومة هو تخفيف غلظة العيش والكد الصعب ومنه تكرار مثل هذه الأزمات ..
> وأبلغ رسالة وأوضح إشارة من الحكومة لشعبها، هي أن تمضي معه في ميعادها ووعدها، فتعمل على محاسبة المفسدين واجتثاث الفساد وتطبيق القانون والمحاسبة حتى يشعر عامة الناس بأن لكل خطأ عقوبة ولكل خطأ حساب، لا يريد الشعب من حكومته سوى اجتهادها وسعيها في سبيل إسعاده ورفاهيته وتبديل حياته الضنكة إلى رغيد من العيش وفسحة من الأمل، والحكومة التي تبقى على الأمل متقداً في النفوس هي الحكومة التي تبقى وتمكث بما ينفع الناس فما غيرها يذهب جفاءً.
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة