(سيداو) ما بين الجدل المتجدد للرفض أو القبول بالاتفاقية
لم تمر سوى أيام قليلة من تصريحات وزيرة الدولة بالعدل ” نعمات الحويرص” أمام البرلمان ودفعها باتفاقية سيداو للمصادقة عليها، حتى خرجت وزارة العدل أمس الأول ببيان تنفي عبره المصادقة على الاتفاقية وصحة ما تناولته بعض الصحف، ليشير البيان أن رد الوزيرة جاء في إطار تعليقات النواب حول التقرير الذي قدمته لجنة التشريع والعدل على تقرير أداء الوزارة في النصف الثاني من العام ٢٠١٨ ولم يكشف نية الدولة التوقيع على الاتفاقية.
وعلى الرغم من النفي الذي دفعت به الوزارة حول الاتفاقية إلا أن البعض ذهب إلى أن العدل أوحت خلال نفيها وكأنها وقعت بي رحى الضغوطات الدولية وهجمة رجال الدين سيما تضمن الاتفاقية لبنود تتنافى والشريعة الإسلامية، فيما ذهب آخرون إلى أن نفي النفي تأكيد، وما بين الرفض وبين خيار التوقيع مع التحفظ يبقى المحك الحقيقي للعبور باتفاقية سيداو إلى حيز التنفيذ أو رفضها كليا.
رفض قديم …
ظلت الحكومة ولسنوات عدة ترفض مبدأ التوقيع على اتفاقية سيداو لاعتبارات أنها لا تتماشى مع المعتقدات الدينية والأعراف والدستور الذي يحكم بلادنا، ولكن ما كان جديدا وملفتا للنظر هو التصريح أمام البرلمان بمعلومات تؤكد على إمكانية التوقيع بتحفظات على بعض البنود، الأمر الذي يؤكد أحاديث تعرض السودان لضغوط أوروبية عديدة بسبب رفض التوقيع على الاتفاقية، ووفقا لبعض المصادر فإن منظمة التجارة العالمية ظلت تعرقل انضمام السودان لمظلتها بسبب امتناعه عن الانضمام لمعاهدات دولية من بينها سيداو، الأمر الذي قلل من شأنه الأمين العام لهيئة علماء السودان بروفيسور “محمد عثمان صالح” مؤكدا لـ(المجهر) أن الضغوط الخارجية على السودان بشأن الاتفاقية منذ أكثر من (٢٠) عاماً، وقال: الضغوط ما ح تزيد ولا ح تنقص والمهم أن الناس ثابتون على موقفهم، وكونوا في ضغوط فهذا أمر طبيعي.
وعبر صالح عن ارتياحه لتوضيح وزارة العدل الذي وصفه بالكافي، مؤكدا اطمئنانه لهم وقال: إذا كانت هناك آراء أخرى تشجع التصديق على الاتفاقية فهذا لا يعني أن هذا رأي الحكومة، وفيما يتعلق بالتوقيع على الاتفاقية مع بعض التحفظات لفت الأمين العام للهيئة إلى أن التحفظ ساقط ولا قيمة له ودون فائدة، ومضى قائلا: التحفظ حسب الوثائق العندنا لا قيمة ولا يؤخذ به. مشيراً إلى عدد من الدول اعترضت على الاتفاقية فيما تحفظت دول كبرى عليها ولم تقم بتفعيلها رغم المصادقة عليها.
نقابة المحامين تتحفظ..
بين الرفض البات للتوقيع على الاتفاقية حتى وفقا لتحفظات حول بعض البنود المنافية للشريعة الإسلامية، ورؤية البعض على أن المشاركة في التوقيع من قبل الدول الموقعة لم تكن شاملة وإنها باتت _ سيداو _شعاراً أكثر من مضمون، ويؤكد نقيب المحامين الأستاذ “عثمان الشريف”، لـ(المجهر) احترامه وتقديره لآراء رجال الدين من ناحية شرعية، لافتا إلى ضرورة التناقش حول الاتفاقية ورفض ما يرفضه الدين، وقبول ما سكت عنه الدين، وقال: الموضوع يحتاج إلى دراية وتمحيص ونحن مع ذلك، وزاد: أنا ما بقول ترفض الاتفاقية كلها أو تقبل كلها، أنا أقول إن هذا الأمر يدرس ونسأل أهل الدين ومن له رأي مخالف يقوله ومن له رأي مؤيد يقوله ونصل إلى كلمة سواء.
ولفت “الشريف” إلى أن حديث الوزيرة “الحويرص” لم يكن لتقديم الاتفاقية لإجازتها بالمجلس الوطني لأن إجازة الاتفاقيات وفقاً له طريقها معلوم وقال: الوزيرة ذكرت أنه يمكن إجازة الاتفاقية بتحفظات شأنها شأن الاتفاقيات الأخرى، لأن الاتفاقيات تجاوزت بموجب قانون المعاهدات للعام ٩٦عدا اتفاقيات معينة تتعلق بالقانون الإنساني والوزيرة تتحدث في هذا السياق وكلنا نعلم أن وزارة العدل لو كانت تريد المصادقة على اتفاقية سيداوا لكانت قدمت لمجلس الوزراء مقترح ثم يودعها المجلس للمجلس الوطني، ومضى قائلا:
القرار دا قرار سياسي وبيد الدولة ومن حق الدولة أن تعترف به أو ترفض بعض شروطه.
نقيب المحامين ارجع إثارة الأمر حول اتفاقية سيداو، للمحاكمة التي تمت مؤخرا في حق المدانة “نورا”، التي أثيرت فيه زواج القاصرات والاغتصاب بحد تعبيره، مشيرا إلى أن القضية الآن أمام القضاء والحكم الذي صدر حكم ابتدائي وخاضع للمراجعة والاستئناف، ولسلطة المحكمة العليا في تأييد الطعن أو رفضه وقال: ما اثير حول اضطهاد المرأة في السودان والتمييز ضدها غير حقيقي، لأن السودان يعتبر أول دولة عربية إسلامية قلدت المرأة ولاية القضاء في العام ١٩٦٠، وزاد: المرأة السودانية محل احترام وتقدير وعلى الناس أن يميزوا ما بين الأشياء التي لها أجندات خفية وبين الأشياء التي فيها مصلحة الوطن، واتفاقية سيداو يقبل منه الذي يتماشى مع أعراف وتقاليد الشعب السوداني بكل دياناته ويرفض منها ما دون ذلك والحكومة لا تجبر أهل السودان على قبول أشياء تخالف موروثاتهم.
جدل مستمر
وفي الأثناء تعد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، معاهدة دولية اعتمدت بواسطة اللجنة العامة للأمم المتحدة عام ١٩٧٩م ويتم وصفها على أنها وثيقة الحقوق الدولية للنساء تم التصديق عليها في الثالث من سبمتمر عام ١٩٨١ وقعت عليها أكثر من (١٨٩) دولة من بينها اكثر من (٥٠) دولة وافقوا تحت إطار بعض التحفظات والاعتراضات من ضمنهم ( ٣٨) دولة قد رفضت تطبيق البند (٣٨) من الاتفاقية، والذي يتعلق بسبب تسوية الخلافات المتعلقة بفهم الاتفاقية وأوضحت أستراليا في تحفظها أن هناك بعض القيود بسبب نظامها الدستوري وكلا من الولايات المتحدة وبالاو وقعتا على الاتفاقية، فيما رفضت ثمان دول أخرى التصديق عليها من بينها السودان والصومال.
وتتمركز التحفظات على الاتفاقية في رفض كل ما يتعرض لمبادئ الشريعة الإسلامية ولا زالت محل الكثير من الجدل.
المجهر السياسي.