تحقيقات وتقارير

مصر ترفض دخول الصادق المهدي.. القاهرة.. (المحروسة) من المعارضين


لما أحيط برموز المعارضة وقيادات حكومة الإمام الصادق المهدي يوم حاصر الإنقاذيون الخرطوم بدباباتهم في يوم الثلاثين من يونيو 1989، تلى لسان حالهم الآية الكريمة «اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ» وبالفعل وجدوا سؤلهم لتتحول القاهرة إلى مدينة المعارضة الفاضلة، على الأقل حتى يوم أمس (الأحد). فبعد مرور 29 يوماً من ذياك التاريخ، وتحديداً في الثلاثين من يونيو 2018 رفضت (المحروسة) استقبال الإمام الصادق المهدي، إيذاناً بتهدم ركن المعارضة الحصين في المنطقة والإقليم.

واستيقظنا صبيحة يوم (الأحد)، على وقع بيانين لحادثةٍ واحدة، وهي حادثة الحؤول بين المهدي ومصر. أحدهما صادر من نائبة رئيس حزب الأمة القومي، ونجلة المهدي، مريم التي ترافقه أخيراً في حله وترحاله، والثاني من المتحدثة باسم الحزب، سارة نقد الله، وذلك يدلل على اهتمام الحزب بالمرأة التي تتسنم مكاناً علياً لدى الأنصار.

أحاديث البيانات

يتفق بيان المنصورة مريم المهدي، والمرأة الحديدية سارة نقد الله على أن رفض السلطات المصرية لدخول رئيس حزب الأمة القومي، إمام الأنصار، الصادق المهدي لأراضيها، يمثل تطوراً جديداً في علاقات المعارضة والقاهرة.

واستنكرت المنصورة إبعاد والدها من قبل السلطات المصرية، كما وأدانت محاولات القاهرة إملاء اشتراطات عليه ليرفض تلبية دعوة الحكومة الألمانية للمشاركة بصفته رئيساً لتحالف نداء السودان.

وتأسفت نقد الله على سلوك القاهرة، واعتبرته إجراءً غريباً يدق أسفيناً في علاقات البلدين بما لا يمكن تجاوزه، وذلك إرضاء للحكومة السودانية. بينما رأت المنصورة أن القاهرة تشتري سخط الشعب السوداني برضا حكومته.

لماذا؟

في كلا البيانين، نجد أن سبابات الاتهام تشير إلى الحكومة السودانية، وبأنها من أوعز للمصريين لاتخاذ قرار إبعاد المهدي عقب مشاركته في لقاء المعارضة ببرلين.

ومعلوم للكافة أن الرئيس عمر البشير سبق وأن هاجم أمام البرلمان الحركات المسلحة وممالئيها من الأحزاب السياسية، وقال إنه لن يسمح بالتخليط بين العملين السياسي والعسكري.

ولا يعتقد القيادي بحزب المؤتمر الوطني، د. ربيع عبد العاطي، أن الحكومة أجرت اتصالات مباشرة بنظيرتها المصرية لإبعاد المهدي عن التراب المصري.

ويرى عبد العاطي في حديثه مع (الصيحة) بأن الراجح أن يكون محرك القاهرة فيما أقدمت عليه مع المهدي، مبعثه الحفاظ على مصالحها، وتنمية علاقاتها الأخوية بالخرطوم.

مضيفاً بأن الخرطوم كما وترفض انطلاق أعمال عدائية من أراضيها تجاه دول الجوار، فإن ذلك يقتضي على الباقين إعمال مبدأ المعاملة بالمثل. وعند هذه النقطة –تحديداً- استدل عبد العاطي بهجوم البشير على القوى المدنية التي تبرم تحالفات مع التنظيمات والكيانات المسلحة.

وفي الوجه الآخر من حديث ربيع، يمكننا القول إن القاهرة ترغب في وضع رسالة ببريد الخرطوم لرد تحيتها بأحسن منها، وقطع الطريق أمام إسلاميي مصر من اللجوء للسودان ولو على سبيل الإقامة فقط لا غير.

يذكر أن موقع (العربي الجديد) نقل عن مصادر دبلوماسية مصرية رفيعة قولها (السلطات المصرية المسؤولة أبلغت المهدي بضرورة عدم الخروج لحضور مؤتمر نداء السودان الذي عُقد في ألمانيا، مخافة أن يضعهم ذلك في حرج كبير أمام القيادة السياسية في الخرطوم).

مدافعة

يدافع حزب الأمة القومي عن قيادة تحالف نداء السودان الذي يضم قوى مسلحة، ويرى أن وجود الإمام ينزع فتيل السلاح، ويفضي بالحلف إلى مسار العمل المدني السلمي.

ويذِّكر رئيس المكتب السياسي بحزب الأمة القومي، محمد المهدي حسن، بحقيقة أن القاهرة تملك أحقية منح وحجب تأشيرتها عمّن تشاء، ولكنه يصف إقدامها على منع دخول المهدي بالتطور الجديد في علاقات المعارضة والجارة الشمالية.

ولكنه لا يرى أن الخطوة ستمثل عامل ضغط للحزب والإمام تجبرهم على تقديم تنازلات للحكومة، مؤكداً ثبات مواقفهم المعلنة سواء من التعديلات المرتقبة على قانون الانتخابات أو من الانتخابات نفسها.

الوجهة القادمة

إلى أين سيمم المهدي وجهه بعد انغلاق قبلة المعارضة قدامه. سؤال أجاب عليه محمد المهدي بالكشف عن تفاهمات تمت داخل الأمة قبيل شهرين لاختيار محطة الحزب المقبلة. وهو حديث يشي بأن الأمة كان يتحسب لكامل السيناريوهات بما فيها إمكانية تغيير مقره في القاهرة بآخر تقول الإرهاصات الأولية إنه عاصمة الضباب لندن.

أين المفر

مما لا شك فيه، ولا مراء حوله، أن قادة المعارضة ونشطاءها في (المحروسة) يفكرون حالياً في اتخاذ عواصم بديلة لتكون محل إقامتهم وأنشطتهم المستقبلية، فالحكومة المصرية لا تريد تعكير صفو علاقاتها بالسودان وإن كان ثمن ذلك خسارة سمعتها كالمركز الأهم للمعارضة السودانية في الخارج.

الخرطوم: مقداد خالد
صحيفة الصيحة.