منوعات

مأساة أخرى نرويها بالدموع… عائشة وأطفالها… حكاية أسرة تعيش في (العراء)

قال علي بن أبي طالب (لو كان الفقر رجلاً لقتلته) والمشهد الذي قمنا برصده وعكسه لكم هو الفقر بعينه يحتاج لآلاف السيوف لقتله، هو مشهد إنساني بحت يُغنِي عن ألف كلمة وسؤال، مؤثر للغاية خاصة أن أصحابه يعيشون بيننا في هذه العاصمة الخرطوم وليس بمكان بعيد عنها إلا أنهم بعيدون عن مباهجها وطيب عيشها (الأكل والشرب والتعليم والعلاج) من الضروريات.

(1)

قصدنا تلك الأسرة الفقيرة المتعففة لعكس معاناتها والوجه الحقيقي للفقر المدقع الذي تعيشه، فكان أن رأينا العجاب الذي يفوق حد الوصف بعد أن ترجلنا من سيارتنا ناحية عمارة تحت التشييد تقع في ميدان كبير مسورة ببعض قطع القماش البالية والخيش الممزق ومن حولها أثاث متهالك متناثر وأطفال بملابس بالية يلعبون من حولها.

(2)

أطلت من بين تلك (الكراكيب) امراة فارعة القوام هادئة، سمراء اللون يبدو أن الشمس الحارقة كان لها أثرها على بشرتها لتزداد اسمراراً، استقبلتنا بابتسامة رضا رغم الحزن الذي كان بادياً عليها، هذه المرأة صاحبة القصة المؤثرة تسمى عائشة، تلك المرأة المكافحة التي أتتنا بالمختصر المفيد قائلة لنا: (اسمي عشة أحمد محمد عندي سبعة أولاد وزوجي متوفي وعندي شقيقتي عندها سبعة أولاد قبل ما تموت وضعتهم أمانة في رقبتي عشان أربيهم وعندي بتي عايشة معاي بأولادها وزوجها منفصل عنها وشقيقتي عندها مجموعة من الأطفال منفصلة عن زوجها وكلهم أنا المسؤولة عن أكلهم وشرابهم).

(3)

واصلت عائشة سرد معاناتها قائلة: (كنا نسكن في سوبا وبعد زوجي اتوفي جينا سكنا هنا في الأزهري لقينا العمارة دي فاضية وسيدها ما في وبتشيلنا مع أسرتي واستأذنت من ناس اللجنة الشعبية عشان أسكن فيها لأنو أولادي صغار ووافقوا، وعشت فيها ثلاث سنوات وأنا بكابد وبجاهد بعمل في البيوت غسيل ملابس ومكوة ومسح عشان أوفر ليهم لقمة، وبرضو ما مكفيانا، والأولاد كلهم في عمر المدارس لكن مافي إمكانية عشان يدرسوا وما عندهم شهادات ميلاد ولا أرقام وطنية).

(4)

واصلت عائشة قائلة: (نعاني في الأكل لأنو الحاجة البجيبها ما بتكفي الأطفال الكتار عشان كده أغلبهم صغار بمشوا يفتشوا في براميل الأوساخ عشان يجيبوا بقايا الأكل وفي مرة جابوا لينا وجبة من الشارع عملت لينا تسمم ونقلونا المستشفى والمدير الطبي كتر خيرو عالجنا، وعندنا (اللداية) لما يكون عندنا قروش بنولع فيها النار ونعمل الأكل وعندنا وجبة بالنسبة لينا وجبة أمراء وهي جلد الجداد البنشيلو من بعض الأسر. اليوم داك بكون بالنسبة لينا يوم عيد، أما بالنسبة للموية بنشتري برميل الموية بي 40 جنيه واليوم البنشتري فيه الموية بنتنازل عن وجبة الفطور لأنو الموية بتكون أخدت المصاريف كلها، والموية نفسها ما بتكفينا لأنو الأسرة كبيرة بنضطر ننقل موية من أي سبيل في شوارع الحي، وإذا مرض أي شخص مننا بنعاين ليهو لأنو ما عندنا قروش وإذا حالته اتدهورت بنضطر نمشي المستشفى وبنصادف أهل خير بيدفعوا لينا حق الفحوصات والعلاج).

(5)

انهمرت الدموع من عيني عائشة وهي تواصل في حديثها: (الآن تم طردنا من البيت الذي نسكن فيه وزي ما شايفة نص حاجتنا في الشمس بس ناس البيت أدونا مهلة حنطلع لكن ما عارفين حنمشي وين؟ ونحن ما عندنا قروش عشان نأجر بيها بيت نتلم وأولادي وأولاد بتي وأختي في مكان واحد ما عارفة والله أقبل وين ومصيرنا يكون شنو ما عارفة والخريف على الأبواب؟)

(6)

في الختام ومن بين دموعها قالت عائشة لـ(كوكتيل): (يا ناس الجريدة أنا بناشدكم تشوفوا لي أهل الخير نلقي حوش نتلم فيهو، ما مشكلة الأكل لو بي موية بنعيش وكمان محتاجة لعملية في رجلي لكن القروش مافي وعايزة أهل خير يطلعوا لي أولادي شهادات ميلاد وأرقام وطنية عشان يدخلوا المدارس ويتعلموا يمكن يعوضوا تعبي وشقايا ورحمة ربنا واسعة).

تقرير:محاسن أحمد عبد الله
صحيفة السوداني.

‫2 تعليقات

  1. هل لنا أن نسأل أين ديوان الزكاة أم الإجابة معروفة للجميع؟ لك الله يا اختي نسأله أن يفّرج عنك كربتك ويهيْ لك من يرفع عنك معاناتك.