جوع (الندرة) و لا جوع ( الوفرة )
أتوقع دائما أن يعلق كتاب ومحررون صحفيون على حالة ارتفاع سعر الصرف كلما حدثت .. باعتبار أن الأزمة وصلت مستوى قاسياً .. مع أن الأزمة أخذت حدتها تتصاعد منذ العام 1964م .. في أعقاب ما تسمى ثورة 21 أكتوبر ..
> و الأزمة القديمة ليست هي السبب .. فالسبب مضاف إليها وهو التأزيم الذي يعرفه خبراء الاقتصاد .. ونتيجة لذلك ظلت قيمة العملة الوطنية مستمرة في التراجع إلى هذه اللحظة.. إلى أن وصل سعر الدولار أكثر من خمسين ألف جنيه .. ويتجه إلى سعر المائة ألف جنيه ..
> فهل هذا يحتاج إلى تعليق من كتاب رأي أو محرري تقارير صحفية ..؟ فبماذا ستفيد تعليقاتهم ..؟ وهل هذا أهم من إجراء الحوارات والاستطلاعات والتحقيقات مع الخبراء الاقتصاديين ..؟
> عدد مقدر من الخبراء الاقتصاديين أدلوا لكثير من الصحف بآرائهم ورؤاهم حول أسباب التأزيم التي تجعل قيمة العملة تتراجع باستمرار منذ عقود طويلة..
> وفي مرحلة ما بعد عهد الدكتور عبدالوهاب عثمان وزير المالية الأسبق ودكتور صابر محافظ البنك المركزي الأسبق ..تحولت الأزمة القديمة بأسبابها الموضوعية المرتبطة بالميزان التجاري إلى تأزيم .. أو أضيف لها هذا التأزيم .. والتأزيم طبعا بدون أسباب موضوعية وإنما أسبابه تأتي خيارا على حساب معيشة المواطنين .. كما الحال المعيشي الآن .
> لا نريد أن نكرر هنا يوميا هذه الأسباب .. أسباب تأزيم المعيشة .. لكن تعليق كتاب الرأي ومحرري التقارير لا يعدو أن يكون ( مناحة ) وتخلو من إقناع الحكومة بضرورة إصلاح السياسات النقدية والمالية والتجارية ..
> لكن ترى الحكومة أن إصلاح السياسات النقدية ليس في صالحها وهي لا تستطيع أن تتخلص من ورطة التزامات مالية صرفها من خارج الموازنة العامة .. وهذا ما يجعل التعليقات الصحفية ( مناحة )فقط.
> وترى الحكومة أن إصلاح السياسات المالية يتطلب إدخال مؤسسات حكومية تأمينية ومصرفية وتعليمية وطبية وغيرها في مظلة مجلس الوزراء وЕلغاء تجنيبها للأموال العامة ..و هذا عندها مرفوض ..و هذا ما يجعل تعليقات الصحفيين ( مناحة ) فقط.
> و حول إصلاح السياسات التجارية لا تتحمس الحكومة لجعل مصروفات الاستيراد من النقد الأجنبي أقل من حصائل وعائدات الصادر مهما تراجعت .. حفاظا على قيمة العملة الوطنية وبالتالي استقرار الأسعار .. فلا يحدث عجز في الميزان التجاري .. ولذلك تبقى تعليقات الصحفيين ( مناحة )فقط .
> ولم تبق فرصة مع الحكومة للمعالجة إلا بتوعية الجيل القادم ..ليخرج منه إلى الحكم القادم من سيعلن استغناء حكومته عن استمرار أسباب تأزيم الوضع المعيشي هذي ..
: > المشكلة إذن جزء من طريقة الحكم ..و هذا بالطبع ما نتج عنه أزمة الحكم ..و لا سبيل لعلاجها بإجراء انتخابات أو حوار وطني ..لأن ذلك لن تأخذ الحكومة بعده العلاج، لأن العلاج عندها في جانبها يشكل مشكلة عدم القدرة على الالتزام بصرف خارج الموازنة تعتمد فيه على السياسات النقدية الحالية ..
> فلا داعي إذن للنواح الصحفي ..لكن ليكن التفكير في دعم الصحافة الاقتصادية باعتبارها لسان حال معيشة الشعب ..فأغلب القراء للأسف يهتمون بكتابات لا أدلة و لا براهين على صحة ما تحتويه من معلومات .. ولا قيمة لها حتى لو كانت صحيحة في ظل هذا التأزيم المعيشي الذي يسير مع الأزمة المعيشية القائمة أصلاً في اتجاه واحد .
> وحكومة البشير أصلا جاءت بدافع إنقاذ الشعب من الأزمة المعيشية .. وبالحسابات الاقتصادية الدقيقة نقول نعم أنقذته منها ..باعتبار معالجة مشكلة اقتصاد الندرة ..لكنها تسببت فيما هو أسوأ من الأزمة ..تسببت في تأزيم الأوضاع المعيشية بالسياسات النقدية ..أي بعد اقتصاد الندرة جاء اقتصاد التضخم ..و كان أفضل اقتصاد الندرة طبعا ..فمعه قيمة العملة لا تنهار بهذه الصورة الحالية ..وبهذه الوتيرة الأسرع في التأريخ النقدي و المالي.
> وحينما تعالج اقتصاد الندرة وتتوفر السلع لدرجة أن تتلف ويخسر التجار ومع ذلك تنهار قيمة العملة وتضعف القوة الشرائية ويجوع الناس مع وفرة السلع .. فما الفائدة. .؟ أليس الجوع أفضل مع اقتصاد الندرة و قيمة العملة العالية..؟ في هذه الحالة يزيد عدد اللصوص بكل مقاماتهم طبعا ..
غداً نلتقي بإذن الله …
خالد حسن كسلا
صحيفة الإنتباهة