وصفة مضمونة
هل تذكرون.. كتبت هنا عندما سألت وزير المالية والاقتصاد في دولة تركيا.. ما هي خارطة الطريق التي يجب أن نتبعها لنُحقِّق مثل الطفرة الاقتصادية الهائلة التي نَجحت فيها تركيا؟ من أين نَبدأ؟ إجابته كانت مفاجئة لي.. رد قائلاً )ابدأوا بحُقُوق الإنسان(..!
ولَم تكن مُجرّد إجابة فلسفية مُعلّقة في سماء التنظير الوردي.. لأشرح بعد ذلك بالتفصيل والأرقام، كيف أنّ حُقُوق الإنسان ترفع قيمته فيرتفع العائد منه فيرتفع الاقتصاد وينتج مَزيداً من رفاهية الإنسان.
الآن نحن في بلدنا السُّودان لا يُعاني المُواطن من سُوء الحال الاقتصادي الذي يَجر سُوء الحَال الإنساني والحَياتي.. العكس هو الصحيح؛ سُوء حَال حُقُوق الإنسان هو الذي أدّى لانهيار الاقتصاد، ولا سبيل لإصلاح الاقتصاد إلاّ بإصلاح حَال حُقُوق الإنسان.. ليرتفع قدره فيرفع جهده ويتعاظم عائده الاقتصادي..
نحن لا نعيش في كوكب السُّودان مُنعزلاً عن بقية الدنيا.. تجارب الأمم أثبتت أنّه مهما طال ليل الإنسان وحبسه في دياجير القهر، فإنّه بلا شَك مُلاقٍ ضوء الفجر..!
لنبدأ مسيرة إصلاح الحَال الوَطني بإصلاح حَال حُقُوق الإنسان.. وتبدأ حُقُوق الإنسان بالحق الأساسي الأول وهو الحُرية.. حُرية أن يُعبِّر عَن ضَميره بلا تَرغيبٍ ولا تَرهيبٍ.. وحُرية أن يُفكِّر كَيف يَشاء.. وحُرية أن يَفعل ما يَشاء تحت سمع وبصر القانون.
لكن وبكل صراحة الذي نشهده الآن أقرب إلى مسرح العبث المُتستِّر على الضمير.. طوفان من النفاق لمن يتعيشون ويكسبون من عرق لسانهم.. لا يُقدِّمون للوطن سوى الكلمات والخُطب مدفوعة الأجر..!
رأيت مسؤولاً قبل يومين يلقي خطبة عصماء تفيض بالنفاق الوظيفي.. وأدرك تماماً أنه في هذا مُسيّرٌ لا مُخيّرٌ.. فهو يدفع ثمن الكرسي لا أكثر.. بمبدأ لسانك حصانك إن صنته صان كرسيك..
كنت الأيام الماضية في زيارة لجمهورية السنغال.. سَمعت من أحد المسؤولين أنّ دول الغرب الإفريقي خطت بسُرعة وقفزت في كل ضروب الحياة وتستقبل شُعُوبها رفاهية تستحقها.. وفوق ذلك نَالت كَرامة الحُرية والديموقراطية.. فسألت مُحدِّثي أيُّهما أنجب الآخر.. هل الرفاهية هي التي أتت بالديموقراطية والحُرية؟ فكان رده سريعاً.. لا.. الديموقراطية والحُرية أدت للاستقرار السياسي.. والذي أنجب التنمية والنهضة.. والرفاهية..!
نحن في السُّودان، في حاجةٍ مَاسّةٍ أن نستوعب المعنى الحقيقي للحُرية والديموقراطية.. فهي ليست مُجرّد أدوات حُكم ومُشاركة في السُّلطة.. بل أكثر من ذلك هي أساس النهضة والرفاهية
عثمان ميرغني – حديث المدينة