عثمان ميرغني

منشور إداري عالي المستوى


عملاً بالسلطة المخولة لي بهذا آمر بالتالي:
يُعتبر استقالة مسببة من الجهة ذات الصلة، ثبوت صحة أية شكوى في أحد البنود التالية:
شُح مياه الشرب.. تراكم مياه الأمطار في الشوارع أو الميادين لأكثر من ساعة واحدة فقط.. بدء العام الدراسي في المدارس مع عدم توفر الكتب أو الإجلاس أو المعلمين أو البيئة المدرسية عامة.. تكدُّس المُواطنين في المواصلات العامة وانتظارهم لوسيلة النقل لأكثر من ربع ساعة فقط((.
هذا القرار الإداري عالي المُستوى يجب أن يصدر يوماً من أعلى سنام الدولة لتصحيح مفهوم )الاستقالة( من الوظائف الرفيعة، فالسائد الآن أنّ )الاستقالة( تعني فنياً كتابة ورقة بعبارات واضحة يطلب فيها المسؤول إعفاءه بناءً على رغبته.. لكن التجربة أثبتت أن لا أحد يستقيل وأقصى ما هو مُتاح في )أدب الاستقالة( هي عبارة )يُلوِّح بالاستقالة( مثلاً )والي الخرطوم يُلوِّح بالاستقالة إذ أصر المجلس التشريعي على رفض قانون التسويات(.. ومجالسنا التشريعية والبرلمانات لا تكسر أبداً خاطر مسؤول.

لكن المنشور الإداري عالي المستوى الجديد هذا، يُغيِّر مفهوم الاستقالة لتصبح إجراءً يتحرّك تلقائياً في حال توفر ظرفٍ محددٍ، مثلاً إذا فاض نهر القاش ودمر بعض المنازل أو المنشآت العامة، فإنّ ذلك بمثابة استقالة من الوالي دُون حاجةٍ لانتظار صحوة الضمير.. وإذا فتحت مدرسة واحدة في محلية الخرطوم وهي تُعاني من نقص في لوازمها فتعتبر بمثابة استقالة مُسبِّبة من المعتمد دُون حاجةٍ لانتظاره ليتكبّد عناء كتابة الاستقالة أو )التلويح!!( بها.
وإذا فاضت الشوارع في العاصة بمياه الأمطار، فإنّها تُسجِّل استقالة والي الخرطوم فوراً.. وهكذا من كل حسب مهامه، ولكل حسب وظيفته.
مثل هذا المنشور الإداري يجعل العلاقة بين شاغل الوظيفة والحكومة، هي تنفيذ المهام بأعلى كفاءة، لأنّ أيِّ خطأ يؤدي مُباشرةً لإنهاء صلاحية شاغل الوظيفة.. على النقيض تماماً مِمّا هو كائنٌ الآن، كبار المسؤولين يرتكبون الأخطاء الجسيمة تلو الأخطاء وبراءة الأطفال في أعينهم.. بل بعضهم ينال ترقية كلّما أمعن التنكيل بالوظيفة.

أقول قولي هذا لأنّي أجزم أنّ عناوين الصحف السودانية منذ عُقُودٍ طويلةٍ تظل ثابتة حسب الموسم.. في موسم الأمطار غرق ودمار من )أول مطرة(.. وفي موسم الشتاء والصيف شُح في مياه الشرب في المُدن والقُرى.. وفي موسم الدراسة مدارس بلا مُعلِّمين ولا كتب ولا مقاعد ولا فُصول فقط رسوم.. وفي موسم رمضان ارتفاع جُنُوني في السلع وبرمجة للكهرباء، وفي الأعياد زحمة السفر إلى الولايات.. عناوين ثابتة لأخبارٍ ثابتةٍ.. والسبب لأنّ لا أحد مسؤول عن المشكلة أو الحل.!
والحل، أن نُعلِّق رقبة كل مسؤول في ما هو مُكلّف به.. يفقد الكرسي تلقائياً دُون انتظار إقالة بمُجرّد ثبوت التقصير..
بغير هذا سنظل وطن الـ)لاءات الثلاثة(.. لا للمسؤولية.. لا للمحاسبة..لا للإصلاح..!

عثمان ميرغني – حديث المدينة
صحيفة الإنتباهة