تحقيقات وتقارير

وُصِفت بأنها “شوكة حوت” الحصانة .. سد منيع أمام العدالة

منظمة الشفافية: الحصانات أكبر معوّق أخرّت قيام مفوضية الفساد

ناشط حقوقي: حالات التلبُّس كفيلة بمحاسبة أي عضو برلماني

محامٍ: ينبغي تحديد أسبوع فقط لرفع الحصانة

في الآونة الأخيرة، كثر الحديث عن ضرورة محاسبة المسؤولين الفاسدين والهاربين من قبضة العدالة وغيرهم بحجة أن لديهم “حصانة “.. وفي الوقت الحاضر تجددت المطالبات من بعض القيادات السياسية برفع كل حصانة عن كافة المسؤولين، على أن يتساوى الجميع أمام القانون ويحاسب كل من يخطئ، وطالبت شخصيات معينة الأجهزة التشريعية والتنفيذية التعاون مع الأجهزة الأمنية من أجل تسليم المسؤولين الفاسدين الذين يتواجدون الآن بين ردهاتها.. ومع كثرة المطالبات تلك يتساءل البعض عن أسباب تعطيل رفع الحصانة..

عادة روتينية

وبحسب مراقبين لـ”الصيحة”، فإن أمر رفع الحصانة عن المسؤولين تكرر خلال الفترة الماضية كثيراً، ولم يقتصر تطبيقه على العضو البرلماني ونائب رئيس مجلس الإدارة ببنك الخرطوم فضل محمد خير، الذي رفعت عنه الحصانة بعد تقديم طلب من النيابة إلى البرلمان، وقد كانت شخصيات سياسية قد طالبت بنفس الأمر على شخصيات أخرى مماثلة، والمثال الذي يضرب ويقاس هنا هو أن مطالبات محاسبة “خير” تشابه إلى حد كبير ويرى

الحصانة أكبر معوق للعدالة.

يرى دكتور الطيب مختار، رئيس منظمة الشفافية السودانية، أن قضية الحصانات، أثارت جدلاً واسعاً وساهمت في تأخير مشروع مفوضية مكافحة الفساد فترة طويلة، وقال: لا يمكن إزالة الحصانة بشكل كلي، لكن يجب ألا تكون عائقاً من العوائق التي تعطل مشروع مكافحة الفساد.

قانون مجحف

ووفقاً لحديث نجاة الريح أستاذة القانون الدستوري التي وصفت الحصانة بمثابة “شوكة حوت”، بات من السهل لأي مسؤول يتولى منصباً عاماً أو مرتفعاً أو متوسطاً في الدولة الحصول على حصانة دبلوماسية سياسية، ولا يحق لأحد من الأمنية أو العدلية أن يتعامل معه حتى ولو أخطأ أو سرق أو أفسد، لأنه يتحجج بأن لديه حصانة، ولا أحد يستطيع أن يوقفه.

وترى أن المشكلة التي تواجه العدالة أننا نعيش تحت ظل قوانين بعضها قاصر يحتاج إلى مراجعة، واعتبرت البطء والسلحفائية أكثر ما يعطل الإجراءات المتبعة في رفع الحصانة التي قد تستغرق عاماً أو نصف العام، وقد لا يأتي الرد على المطالبة، الشيء الذي جعلها عاملاً مساعداً بدرجة كبيرة في إخفاء آثار الجريمة أو هروب المتهم.

تحرك جماعي

ومع تزايد الاتهامات لبعض المسؤولين بمؤسسات الدولة بالفساد، سبق أن تبنى عدد من نواب البرلمان تحركاً لمعالجة القوانين بما يتلاءم مع إمكانية رفع الحصانة عن أي مسؤول أو برلماني من أجل مقاضاته، بعدما قررت رئاسة الجمهورية تشكيل مفوضية لمكافحة الفساد. واستناداً لتقارير إعلامية سابقة يرى نواب برلمانيون أن الحصانة ظلت تمثل في بعض الأحيان مخرجاً من كثير من الجرائم التي ظل يرتكبها من يتمتعون بتلك الميزة، مما دفع بعض الجهات لمحاولة الثأر بعيداً عن القانون، مشيرين إلى ازدياد حالات الاعتداء على المال العام بكثير من المؤسسات العامة.

وفي سياق ذلك، اعتبرت هيئة علماء السودان أنّ حصانة المسؤولين تمثل أكبر عوائق مكافحة الفساد، وكان الأمين العام للهيئة إبراهيم الكاروري قد دعا في تصريحات سابقة لإحدى الصحف المحلية إلى ضرورة رفع الحصانة عن المتهمين في قضايا الفساد ستة أشهر على الأقل، وقال: لا قداسة ولا حصانة ولا امتياز لمن يتولى السلطة. مطالباً بالرقابة الشعبية للحد من الفساد وفتح الباب أمام حرية نشر قضايا الفساد.

أسباب متعددة

أسباب كثيرة تقود إلى رفع الحصانة عن أي مسؤول بحسب ما أشار إليه عبد العظيم عبد الرحمن الناشط الحقوقي، وتمثلت هذه الأسباب في إذا ما فقد العضو الثقة أو أحد شروط النيابة، أو إذا أخل بواجبات عضويته، بالإضافة إلى ضبط الجريمة في حالة تلبس إذ أن حالة التلبس هي حالة تسقط معها كل الحصانات، لأن الجريمة تكون مؤكدة ومرتكبها معروف، وبالتالي لا توجد شبهة أو مظنة للكيد، والتلبس المقصود هنا هو المنصوص عليه في قانون الإجراءات الجنائية غير أن إسقاط العضوية يكون بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس، فإذا ما حكم عليه بعقوبة جناية أو جنحة مخلة بالشرف، أو فصل من الخدمة لأسباب مخلة بالشرف ترفع الحصانة عنه وتسقط العضوية، ويشير عبد العظيم إلى أن الحصانة القضائية التي تمتد للقاضي أثناء قيامه بسلطات وظيفته ولا يحاسب عنها ولا تعليق عليها، وإنما إذا خرج على طبيعة الوظيفة خارج عمله واقتضى الأمر المساءلة الجنائية، فإن القانون يتطلب اتخاذ إجراءات معينة لرفع الحصانة، وإلى عدم جواز اتخاذ إجراءات جنائية ضد عضو مجلس الشعب في غير حالة التلبس إلا بإذن سابق من المجلس، بالتالي تزول الحصانة عن عضو البرلمان، وأشار إلى أن الحصانة تمنح وفقاً للمادة 180 الفقرة “5” من دستور 2005م، وتنص على أن الولاة والوزراء وأعضاء المجالس التشريعية يتمتعون بها، مؤكداً عدم وجود قانون موحد لمنحها .

تعطيل العدالة

وفي تعريفه للحصانة، يقول القانوني نبيل أديب لـ”الصيحة”: إنها امتياز يمنح لبعض شاغلي المناصب في الدولة، أقرته القوانين الدولية والمحلية، والمتمتع بها تمنحه ميزة عدم الخضوع لأحكام القوانين العامة في الدولة، ولكن في الآونة الأخيرة صارت الحصانة من أكثر العقبات التي تعوق العدالة، وأصبحت إشكالية حقيقية تؤرق القانونيين وتشغل الأوساط الاجتماعية جراء المصاعب في مقاضاة المتمتع بها، حيث تطول فترة منح إذن الحصانة ما يؤدي لتعطيل مجرى العدالة، وضياع الحقوق، فهناك حصانة موضوعية، وهي تعني ألا تقع الجريمة من الشخص المحدد، وهي معروفة في العالم فقط بحصانة أعضاء البرلمان، بالنسبة لما يكون به من أقوال بسبب عضويتهم للبرلمان، كما توجد حصانات أخرى إجرائية تمنح عادة لرئيس الجمهورية أثناء ولايته، ولا تمنح حصانة من القضاء العادل، ولا من إجراءات العدل، والحصانات الثانية، كلها يجب أن تكون حصانة إجرائية محددة، والأفضل أن تكون غير موجودة، وإذا اقتضت الضرورة يجب أن يلزم الشخص الذي يملك سلطة رفع الحصانة على رفعها خلال فترة محددة لا تزيد عن أسبوع، والقصد منها تنبيه الجهة التي يتبع لها بالإجراءات القانونية.

نماذج متفرقة

ومن النماذج في سياق ذلك، يشير أديب إلى وجود العديد من القضايا التي أحد أطرافها الذين يتمتعون بالحصانة، لم يتمكن الشاكون فيها من الوقوف مع خصومهم أمام القضاء، وتطرق إلى أشهر قضية كان قد رفعها بروفيسور فاروق أحمد إبراهيم ضد نافع علي نافع النائب السابق رئيس الجمهورية، ووجه له عدة اتهامات، وبسبب الحصانة عمل طعناً دستورياً غير أن المحكمة الدستورية لم ترفع الحصانة، وذلك في العام 2006م، كما أشار إلى قضية اعتداء على مكتبه من قبل أفراد لديهم صفة، وأنه تقدم بشكوى لدى وزير العدل الذي بدوره شكل لجنة أوصت برفع الحصانة عن المتهمين، ولكن حتى اليوم لم يحدث شيء، وغير ذلك قضية الدبلوماسي السوداني الذي القي القبض عليه قبل فترة خارج السودان، ودبلوماسي آخر تم القبض عليه في قضية تحرش، لكنه أبرز لمطارديه ما يفيد تمتعه بالحصانة الدبلوماسية، فأطلق سراحه وغيرها من القضايا التي كانت فيها الحصانة سبب الهروب من العدالة وإخفاء الجرائم.

الخرطوم: إنتصار فضل الله
صحيفة الصيحة