تحقيقات وتقارير

كشف فساد مفوضية الخدمة المدنية .. تعيين أبناء نافذين دون معاينات

كشفت “الجريدة” عن وثائق مهمة ودامغة لتجاوزات خطيرة في طريقة عمل مفوضية الخدمة المدنية القومية وعطفاً على ما كشفته الوثائق التي نشرتها تحقيقات “الجريدة” في الحلقة الأولى لفساد المفوضية واختيارها لموظفين في الدرجة التاسعة بمعتمدية اللاجئين رسبوا في الامتحان الأساسي وآخرون لم يجلسوا للامتحان، في ظاهرة وصفها عضو البرلمان حاتم شناب بأنها استمرار لنهج المحسوبية والفساد وتقويض لمؤسسات الدولة وظلم لشباب البلاد، وعطفاً على ذلك تواصل “الجريدة” نشر حلقات التحقيق التي تكشف عن الكثير من التجاوزات في مؤسسات حساسة، وبالإضافة إلى الإفادات التي أدلى بها موظفون بالمفوضية، تكشف الوثائق المختومة والخطابات الرسمية من المفوضية لهذه المؤسسات، تكشف عن تجاوزات ومخالفات خطيرة، تضر ضرراً بالغاً بالخدمة المدنية كلها، وكذلك بخسارة المؤسسات لكوادر مؤهلة من شباب البلاد الذي عانى الأمرّين في مسيرته التعليمية والوظيفية.
ولأننا اعتمدنا على الوثائق الرسمية الموثقة بختم المفوضية أكثر من الإفادات والروايات، لكن ما حصلنا عليه من إفادات يعتبر أخطر بكثير من الوثائق، ويكشف عن ليس فقط التعيين السياسي واستمرار نهج التمكين، بل عما هو أسوأ من ذلك بكثير، وهو ما تكشفه وتؤكده الأخطاء الفادحة في أسماء الكليات والتخصصات للمختارين الجدد من ذوي القربى والمحسوبية.

وتكشف أخطر الوثائق التي تحصلت (الجريدة) على نسخ منها عن تعيين 17 موظفاً بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس، دون إجراء امتحان أو معاينات، بينهم أبناء مسؤولين ونافذين، أبرزهم ابن نائب رئيس الجمهورية السابق مصطفى الحاج آدم يوسف وابن مدير ديوان الحسابات بوزارة المالية متوسم هشام آدم مهدي.

تحمل الوثيقة قائمة بأسماء سبعة عشر موظفاً مع خطاب مرفق بالنمرة م/ أ / خ / م / ق 50، يحمل ختم مكتب الأمين العام حسن محمد مختار، وبصورة إلى مدير ديوان شؤون الخدمة، وتحمل وثيقة أخرى من الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس تأكيد الخطاب الصادر إليها من المفوضية، وقامت على أساسه بإصدار قرار إداري رقم (4) لسنة 2017م توزيع الكوادر الجديدة المستوعبة بالهيئة، وقامت بتوزيع عدد (14) منهم على مواقع حساسة مختلفة، مثل مطار الخرطوم، والبحر الأحمر وفرع سوبا، وينص القرار على: ” بالإشارة الى الموضوع أعلاه واستناداً إلى نص المادة (71) من لائحة الخدمة المدنية العامة لسنة 2007م وتأكيداً على التزام الإدارة العليا بتحقيق المتطلبات الواردة بالبند رقم ( 5_1.هـ) من المواصفة القياسية 2008:ISO9041 (التأكد من توفر الموارد) وبناءً على قرار مفوضية الاختيار للخدمة المدنية القومية بتاريخ 14 نوفمبر 2016م، فقد تقرر توزيع الكوادر الجديدة “. ومرفق جدول ببيان أماكن توزيع الموظفين الجدد.

تناقضات مريبة:
يحمل قرار المفوضية وقرار الهيئة تناقضات مريبة، إذ جاء قرار مفوضية الاختيار باختيار 17 موظفاً جديداً للهيئة، بينما يحمل قرار التوزيع في الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس الذي استند على قرار المفوضية باختيار 14 فقط من القائمة التي تحتوي على 17 موظفاً جديد، بالإضافة إلى التناقض الكبير والخطير في أسماء التخصصات، فبينما يذكر قرار المفوضية أن تخصص الموظف مصطفى الحاج آدم يوسف هندسة كهرباء يقول بيان هيئة المواصفات إن تخصصه “هندسة إلكترونية”، والموظف متوسم هشام آدم مهدي تخصصه “كهرباء” وفقاً لقرار المفوضية إلا أن بيان الهيئة يقول إن تخصصه “هندسة ميكانيكية”، وتخصص الموظفة نهلة محمد “محاسبة” وفقاً للمفوضية و”تقنية معلومات” وفقاً لقرار الهيئة، وكذلك تخصص الموظفة بثينة أحمد “علوم بيئة” وفقاً للمفوضية و”تقنية معلومات” وفقاً لقرار هيئة المواصفات والمقاييس، وهكذا يوجد ثمانية موظفون لا تتطابق أسماء تخصصاتهم المذكورة في قرار مفوضية الخدمة المدنية مع ما هو موضح في بيان هيئة المواصفات والمقاييس.

هل فعلاً انتهى عهد التمكين؟
صرح رئيس الجمهورية المشير عمر البشير في احتفال شهير بمناسبة تكريم البروفيسير إبراهيم غندور في 2013م بُعيد انتهاء دورته في اتحاد نقابات عمال السودان واختياره مساعداً للرئيس ونائباً له لشؤون الحزب، صرح الرئيس بأن عهد التمكين والتسييس في الخدمة المدنية انتهى وتعهد بأن تكون الخدمة المدنية مفتوحة لكل السودانيين للتنافس الحر وأن يكون الفاصل هو المقدرة والكفاءة، وأضاف الرئيس: “ما في أي معيار آخر للترقي في الهياكل الوظيفية وانتهى تماماً عهد التمكين والتسييس وما في حاجة اسمها أولاد مصارين بيض ومصارين سود وكل الناس سواسية”.

كان هذا التصريح الأول الذي يكشف عن العلة التي أصابت الخدمة المدنية ردحاً من الزمان ويحدد العلاج المعلوم واللازم لإصلاحها، وكان ذلك قبل تعيين حسن محمد مختار الأمين العام الحالي لمفوضية الاختيار للخدمة المدنية القومية، والذي تكشف الوثائق عن اسمه وختم الأمانة العامة التي يتولاها منذ 2014م عن تجاوزات كبيرة وخطيرة حدثت في عهده، ولم يستجب بحسب إفادة الناصحين إلى نصائحهم المتكررة، حتى اضطروا معه إلى الجهر بالنصح والإشارة إلى موضع الخلل.

يؤكد المصدر وهو موظف كبير بالمفوضية في إفادة عن الوثائق: إن الأسماء المختارة للعمل بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس لم تدخل أي امتحان ولا معاينة، وإنما اتخذ قرار تعيينهم مباشرة من الأمين العام، الأمر الذي يخالف قانون الخدمة المدنية، وقال المصدر الذي فضل حجب اسمه إن ثلاث جهات ضالعة في هذا الفساد، الأمين العام للمفوضية وديوان الخدمة والهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس، وقال في رده على التناقض في أسماء التخصصات التي يحملها الموظفين قال: “إن الأمر تم بصورة” كيري “أي بصورة عشوائية، ولم يتسنَّ للجهة التأكد حتى من الشهادات ونوعها، بل تم بطريقة شفاهية دون تدقيق في تخصص الموظف، وتم اختيارهم بطريقة زولي وزولك، ويتقاسم الوظائف نافذون كل واحد منهم يدخل أحد ناسه في المواقع المختارة”.

وأكد المصدر أن إعلاناً صدر لوظائف في هيئة المواصفات والمقاييس قبل عام ونصف من تاريخ اختيار هذه القائمة، وقدم للوظائف عدد كبير من الخريجين، لكن تم تجاهل المتقدمين ولم يعلن عن موعد الامتحانات ولا المعاينات، وتفاجأنا بعد فترة بأن قراراً صدر من الأمين العام “تحت تحت” ولم يعلن عنه في المفوضية، وحتى اليوم لا يعرف الذين قدموا لهذه الوظائف ماذا حدث وما مصيرهم، وأضاف المصدر أن الأمين العام عادة ما يتعمد تأخير إعلان النتائج بغرض التلاعب في النتيجة، وأكد أن النتيجة يمكن أن تطلع في أسبوع، لكن يتم إعلانها بعد شهور من انتهاء العمل فيها، وهنا يتم التلاعب بها.

ومن قبل كشف النائب البرلماني حاتم شناب عن حادثة مماثلة، حيث تختلف قائمة النتيجة النهائية لاختيار الموظفين عن القائمة التي دخلت الامتحان والمعاينات، ومن قبله اشتكى برلمانيون من نهج الجهوية المتبّع في الاختيار لوظائف الولايات.
وحملت وثيقة أخرى تحمل أسماء مختارين لوظائف بجهاز تنظيم شؤون العاملين بالخارج، الوثيقة التي حملت أسماء (15) موظفاً بينهم ابن موظف كبير بالمفوضية، أكد المصدر أنه لم يعلن عن هذه الوظائف ولم تنظم لهم امتحانات ولا معاينات، وإنما تمت بالطريقة ذاتها التي تم بها اختيار موظفي هيئة المواصفات والمقاييس.

وتؤكد الوثائق التي تحصلت “الجريدة” عليها، والتي ستنشرها في سلسلة حلقات متتابعة، تؤكد وجود خلل كبير وتجاوزات خطيرة في مفوضية الخدمة المدنية والنهج الذي تدار به أهم مؤسسة ترفد جميع مؤسسات الدولة بالكوادر وتضع الأسس والمبادئ المتعلقة بالاختيار للخدمة المدنية القومية في كل البلاد.
ونواصل في الحلقة المقبلة.

الخرطوم: حافظ كبير
صحيفة الجريدة

‫5 تعليقات

  1. كل هذا يحدث وفيهم من يهتف …..هي لله هي لله …لا لدنيا قد عملنا ..كلنا لدين فداء …… تعسا لكم ايها التعساء ……
    باسم الاسلام سرقت اموال الشعب
    باسم الاسلام سرقت الوظائف من الشعب
    باسم الاسلام قتل الشعب
    باسم الاسلام اجبر الشعب لمغادرة الوطن

    اللهم عليك بهم فانهم لا يعجزونك

  2. المشكلة ان الاجيال التي تخرجت في زمن هذة الحكومة قد تشبعت بالفساد والمحسوبية لذلك علينا حين ذهاب هذة الحكومة العمل علي أعادة صياغة هذة الاجيال حتي تتشبع بالقيم السودانية الاصيلة

  3. ناس الإنقاذ اارحلوا ونسال الله العلى القدير ان يستبدل قوما غيركم فإنكم لن تعجزوه