الخرطوم وجوبا .. بدايات جديدة
قبيل هبوط الطائرة التي كانت تقلنا يوم أمس إلى جوبا في معية السيد وزير الخارجية، في مطار عاصمة دولة جنوب السودان، بدت الغابات والسهول الخضراء على امتدادات البصر، وكأنها رغم الخريف عطشى ظامئة تنتظر فيوض السلام.. الأرض هي الأرض، الدغل الكثيف غطى وجه التراب، دون أن تظهر على الأراضي حول جوبا التي كانت تقترب منها الطائرة، أية معالم لنشاط زراعي أو رعوي، فقد شرَّدت الحرب الرعاة والمزارعين، وأهلكت الريف كله، وكانت ملامح جوبا قبل أن تنزلق الطائرة في مدرج المطار، هادئة رغم الشحوب الذي علاها بسبب الكساد، والوضع الاقتصادي الذي صنعته وخلفته الصراعات الدامية، وتبدو المدينة وكأنها تخرج من عباءة النار إلى نار تلد ناراً أخرى، توقفت فيها الحركة العمرانية التي كانت نشطة ودافقة، وتراجعت الخدمات نظراً لتراجع عائدات النفط، وليس للجنوب مورد مالي غيره.
ورغم الوضع الاقتصادي الذي تعاني منه دولة الجنوب، إلا أن بصيصاً من الأمل لاح في أعين الناس، وشعاعاً من تفاؤل دبَّ في النفوس ونهض.
> بعد استقبال حار من وزير الخارجية الجنوب سوداني نيال دينق نيال وقيادات وزارته لوزير الخارجية د. الدرديري محمد أحمد وفده الكبير الذي يضم وكيل وزارة الخارجية ومديري بعض الإدارات وعدداً من رؤساء تحرير الصحف وصحافيين وإعلاميين، توجه الوفد مباشرة إلى القصر الجمهوري، حيث كان اللقاء مع الرئيس سلفا كير ميارديت الذي تسلم من الوزير الدرديري رسالة من الرئيس عمر البشير، تتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين ودعوة لحضور الاحتفال بتوقيع اتفاق السلام الذي رعته الخرطوم وأنجزته في وقت وجيز في إطار مبادرة الرئيس البشير وتفويض قمة الإيقاد الأخيرة بأديس أبابا ..
> استمر اللقاء بين الرئيس سلفا كير ووفد الوزير الدرديري زهاء الساعة، تم فيه استعراض ملامح الاتفاق الذي يختص بالترتيبات الأمنية والعسكرية وتقاسم السلطة وبقية الملفات المتعلقة بالتفويض الذي منح للخرطوم، وما يتصل به من تفاصيل ونقاط أساسية يتم من خلالها تجاوز أية قضايا خلافية والتحضيرات التي تمت من قبل الخرطوم لتنظيم حفل التوقيع، وقبل الرئيس سلفا كير الدعوة وسيكون بالخرطوم يوم الأحد مع قادة الإيقاد ورئيس الاتحاد الأفريقي الرئيس الرواندي بول كاغامي ورئيس المفوضية الأفريقية موسى فكي، وممثلي المنظمات الدولية والإقليمية ومبعوثي الترويكا والدول الغربية .
لقاء صحافي ساخن
> عقب الاجتماع مع الوزير الدرديري ووفده، وفِي قاعة وستديو التصريحات الإعلامية برئاسة الجمهورية بدولة جنوب السودان، حضر الرئيس سلفا كير إلى المكان المحتشد بالصحافيين من البلدين وجلس إليهم ليُدلي بحديث صحافي صريح للغاية، نثر فيه المعلومات التي أراد إيصالها للصحافيين بعد أن رحب بهم ترحيباً حاراً جداً، مشيراً إلى أن الجنوب وجوبا آمنة ومطمئنة ليس فيها أي مظهر يخل بالأمن ولا صور الجثث والخراب والدمار كما يصور الإعلام الخارجي، وتناول في كلمته وردوده على أسئلة الصحافيين قضايا الحرب التي سئم منها المواطن الجنوبي، وقال ليس لنا خيار إلا السلام ووقف الحرب التي عطلت التنمية والخدمات وروعت المواطنين الجنوبيين وأدت إلى اللجوء والنزوح. وقال سلفا كير لقد نجحت الخرطوم أخيراً في ما فشل فيه الآخرون باحتضانها للمفاوضات من أجل الشعب الجنوبي ومن أجل الاستقرار والسلام. وقال إنه ذاهب إلى الخرطوم للتوقيع وتجاوز كل الخلافات، وإنه قبل بالتنازل في نقاط كثيرة لأنه يريد السلام ووقف الحرب مثل قبوله بمقترح نواب الرئيس الخمسة وكيفية اقتسام السلطة .
> تناول رئيس دولة الجنوب الاتفاقية التي ستوقع غداً بالخرطوم والفرق بينها وبين اتفاقية 2015 التي لم يكتب لها النجاح بسبب العيوب التي أتت بها وعدم وجود أرضية مشتركة لتنفيذها بسبب ست نقاط أساسية، حذّر منها في حينها، وأضاف بأن رعاية الرئيس البشير شخصياً لمفاوضات الخرطوم وهو كضامن للاتفاق يجعله يقول إن اتفاق الخرطوم سينجح ويحقق السلام بين الجنوبيين وينهي الحرب .
> жأكد سلفا كير في رده على أسئلة الصحافيين أن دولة جنوب السودان ستعمل جاهدة لتحقيق السلام بين الخرطوم ومتمرديها، لأنه لن يتحقق السلام في الجنوب إلا إذا تزامن معه السلام في السودان. وطالب بأن تتاح له الفرصة للقاء قادة التمرد في السودان الذين كانوا جزءاً من الحركة الشعبية في الحرب أيّام السودان الكبير، وأشار الى السلام ليس بعيداً وهناك إرادة كاملة لتحقيقه وسيسعى الجميع إلى ذلك .
> عن قضية أبيي قال يجب تركها في صندوقها حتى يتم التفاهم وتحقيق السلام في البلدين ثم الالتفات إليها لحلها، واستعرض ما تتطلبه هذه القضية من استحقاقات وجهد، وعلق ساخراً سأسأل عنها أخي الدرديري بعد أن ننتهي من تنفيذ اتفاقية السلام .
> لم يحدد الرئيس سلفا موعداً للتنفيذ بعد توقيع الاتفاقية غداً، وقال الوساطة هي التي تحدد، وهناك واجبات وترتيبات يجب القيام بها أولاً مثل تأمين القادمين وتوفير المكاتب والمنازل والعربات وبقية الالتزامات لخمسة نواب للرئيس والوزراء الـ 35 و550 نائباً برلمانياً 150 منهم نواب جدد، وأضاف هناك مجموعات لا تريد السلام بعضهم لن يوقع وبعضهم ينشر الشائعات حول انفراط عقد الأمن في جوبا، وبعضهم يريد أن يتواصل الضغط من المجتمع الدولي على جوبا، ويجب على هؤلاء أن يفهموا أن وقت السلام قد حان .
> قال سلفا واجبي أن أوفر جزءاً من السلطة للقادمين (كلهم يريد لقمة) قد تكون كبيرة او صغيرة وعلى توفيرها لهم ومن لم يجد شيئاً عليه الانتظار، وألمح إلى أن هناك فترة انتقالية ستمكن الجميع من الترشح لرئاسة الجمهورية وترشيحه هو سابق لأوانه، لكن كل من يريد أن يكون رئيساً عليه العمل من الداخل والانخراط في السلام .
> عن العلاقات الثنائية، قال بيننا والسودان علائق وروابط قوية نعمل على تقويتها لمصلحة المواطنين من أجل المنافع المشتركة ومصالح المواطنين فنحن شعب واحد ويجب أن نكون معاً. فالدول الأوروبية تقاتلت لسنين طويلة وتقسمت إلى دويلات صغيرة لكنها أصبحت اتحاداً أوروبياً واحداً فيه كل شيء مشترك .
> وزير الخارجية د. الدرديري محمد أحمد التقى بعد ذلك في جوبا بالنائب الأول لرئيس دولة جنوب السودان تعبان دينق ونائب الرئيس د.جيمس واني إيقا، كلٌ على حده، تناول اللقاءان العلاقات الثنائية ومستقبل السلام في دولة الجنوب .
> عقد الجانبان السوداني والجنوب سوداني جلسة مباحثات مشتركة بين وزارتي الخارجية حول التعاون والتنسيق المشترك بين البلدين وتم أصدار بيان مشترك حوّى مجمل ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين وهو يمهد الطريق لعلاقات مستقرة وتعاون وشراكة إستراتيجية وتوثيق عرى العلاقات.
قام وفد من وزارة خارجية جمهورية السودان برئاسة وزير الخارجية الدكتور الدرديري محمد أحمد إلى جوبا اليوم 3 أغسطس 2018 رافقه خلالها السيد وكيل وزارة الخارجية السفير عبد الغني النعيم عوض الكريم وعدد من المديرين العامين ومديري الإدارات المعنيين بأمر العلاقات بين البلدين، كما رافق الوفد عدد من رؤساء تحرير الصحف اليومية ومراسلي القنوات الفضائية.
وفي مستهل الزيارة التقى الوفد بفخامة رئيس دولة جنوب السودان الفريق أول سلفا كير ميارديت في جلسة مباحثات في إطار التشاور مع الوساطة السودانية بغرض الدفع في اتجاه التنفيذ الفوري لما تم الاتفاق عليه بشأن الحكم وتقاسم المسؤوليات والترتيبات الأمنية، كذلك تكرم فخامة الرئيس سلفا كير ميارديت وفي حضور السيد الوزير والوفد المرافق بإجراء حوار صحافي مع رؤساء تحرير الصحف وممثلي القنوات الفضائية السودانية عكس خلاله إصرار حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية بجنوب السودان على تطبيق ما تم التوافق عليه حرصاً منها على وقف الحرب واستعادة السلام في ربوع البلاد، كما ثمَّن فخامته الدور الرائد للسودان في التوصل إلى اتفاق سلام بين الأطراف في جنوب السودان، وتناول فضلاً عن ذلك آفاق تطوير العلاقات الثنائية بين السودان وجنوب السودان في شتى المجالات.
والتقى السيد الوزير بكل من النائب الأول لرئيس جمهورية جنوب السودان سيادة الفريق تعبان دينق قاي ونائب رئيس دولة جنوب السودان سيادة الدكتور جيمس واني إيقا، وتناول معهما مسيرة السلام في جنوب السودان؛ إلى جانب العلاقات المتطورة بين البلدين وأهمية ترسيخها في كافة المجالات، مبدياً استعداد السودان الكامل لمساعدة جنوب السودان في بناء السلام واستدامته.
وعقد الجانبان جلسة مباحثات مشتركة برئاسة وكيلي وزارة الخارجية تم التداول خلالها حول السبل الكفيلة باستمرار التعاون والتنسيق بين البلدين الشقيقين في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية.
كما جدد الجانب السوداني التزامه بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى جنوب السودان عبر أراضيه، وقد رحب جانب حكومة جنوب السودان بجهود السودان في هذا الصدد.
واتفق الجانبان على تشكيل مجلس للتنسيق برئاسة وزيري الخارجية يضم في عضويته عدداً من الوزراء وكبار المسؤولين في الوزارات والمؤسسات المعنية بالعلاقات بين البلدين، كما تم التوافق على تفعيل لجنة التشاور السياسي بين وزارتي الخارجية والتي تم التوقيع على مذكرة التفاهم بشأنها في سبتمبر 2013г، وأيضاً تم الاتفاق على تبادل برامج التدريب للكوادر العاملة في الوزارتين؛ إلى جانب تبادل الدعم والتنسيق في المنابر والمنظمات الإقليمية والدولية.
هذا إلى جانب مواصلة اللجان والآليات الأخرى لعملها؛ بما في ذلك تفعيل الاتفاقيات والوثائق الموقعة؛ وذلك وصولاً إلى تحقيق الهدف النهائي المتمثل في إقامة شراكة إستراتيجية بين البلدين.
وفي ختام الزيارة أثنى السيد وزير خارجية السودان على حُسن الاستقبال وكرم الضيافة الذي استقبل به الوفد، مشيداً بنتائج المباحثات التي أجراها مع فخامة الرئيس سلفا كير ميارديت والنائب الأول لرئيس الجمهورية ونائب رئيس الجمهورية ونظيره وزير الخارجية الأستاذ نيال دينق نيال، مؤكداً تطابق وجهات النظر حول القضايا التي تم بحثها.
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباه