التحـدي الأكـــبر
أمس، وقَّع فرقاء دولة جنوب السودان اتفاقاً تاريخياً لإنهاء الحرب وتحقيق الاستقرار، وحضر الاحتفال التاريخي يوم أمس بقاعة الصداقة، قادة الإيقاد ورؤساء ورؤساء حكومات دول المنطقة وممثلي الدول الغربية والمنظمات الدولية، بالإضافة الى رجال السلك الدبلوماسي بالخرطوم، وتقاطرت جموع غفيرة من آلاف الجنوبيين المقيمين بالسودان واللاجئين إليه، بعد استعار الحرب الملعونة. وبذل الرئيس البشير والوساطة السودانية دوراً كبيراً لم تشهده القارة من قبل، في سرعة إنجازه لتحقيق الوفاق بين الخصماء الجنوبيين، وتم التوصل إلى وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية والعسكرية وقسمة السلطة وكيفية إدارة الجنوب وشؤون الحكم في وقت وجيز. وبهذا التوقيع يكون جنوب السودان قد دخل مرحلة جديدة وتطور سياسي لابد من المحافظة عليه والإيفاء بكل استحقاقاته .
هذا العرس الأفريقي الذي شهدته الخرطوم أمس، وتوافد قادة الإقليم لحضور الحدث الفريد، هو تأكيد لأهمية الدور السوداني ونجاح القيادة السودانية في إطفاء النيران الهوجاء، وتحقيق تطلعات الشعب الجنوبي في السلام والأمن والاستقرار، ومن غير هذا البلد الأفريقي الصميم وقيادته الحكيمة يستطيع لجم الحروب وإسكات فوهات البنادق في دولة جنوب السودان، وصناعة مستقبل جديد لشعب لم يعش طمأنينة قط، لأكثر من ستين عاماً منذ اندلاع أول تمرد في العام 1955م .
> هذا الحدث .. بكل دلالاته وأبعاده، يمثل صورة حقيقية ليست مزيفة ولا مشوشة ولا مشوهة للسودان. فهو موئل الأفارقة في كل مراحلهم التاريخية منذ النضال ضد الاستعمار وحتى أيّام العسرة والنزاعات الداخلية، ولَم يتخلف بلدنا يوماً من مد أياديه البيضاء ومساعدته وعونه لإخوانه في القارة السمراء، حقناً لدماء أبنائها وحفاظاً على أرواحهم والعمل المشترك معهم من أجل رفعة البلدان الأفريقية وازدهارها ..
> بالتوقيع على الاتفاق أمس، ينبغي على القادة الجنوبيين جميعاً، استشعار هذه اللحظة التاريخية الفاصلة، وتقديم مصلحة شعبهم فوق أَية منفعة ذاتية أو شخصية، ووضع أياديهم فوق بعضهم البعض، ومواجهة التحديات الكبرى التي تقف أمامهم، فشن الحرب أمر سهل، لكن صناعة السلام هي المهمة الشاقة التي تنتظرهم!. فهل يسموا فوق الجراح والمرارات والضغائن ويحققوا ما يصبوا إليه الشعب الجنوبي، أم يتراجعوا الى الخلف وينتكسوا مثل المرات السابقة ويسقطوا جميعاً في الامتحان الصعب ويصبحوا غير مؤهلين ليكونوا رجال دولة؟ ..
> من الواجب أن يكون هذا الاتفاق هو الطريق الوحيد للخروج من المِحنة والتمزق والفشل، ومصيدة الحرب. فالقادة الجنوبيين بكل فصائلهم وتكويناتهم لن يرحمهم التاريخ إن فرَّطوا في هذه الفرصة وجعلوها تفلت من بين أياديهم، ولا خير فيهم إذا عادت الحرب بينهم مرة أخرى. فجميع من حضر بالأمس من رؤساء، أعلن دعمه لاتفاقية السلام في الجزء الأهم منها، وجميع هذه الدول التي حضرت بقادتها وممثليها رفعت صوتها بمساندة هذا الاتفاق ورعايته وصيانة عملية تنفيذه حتى يبلغ منتهاه. فهل يتحلى زعماء الفصائل الجنوبية والرئيس سلفا كير وحكومته، بكامل المسؤولية الوطنية ويعوضوا شعبهم سنوات الحريق والخراب ..؟!
> أنظار العالم التي تركزت على الخرطوم أمس، وشهدت التوقيع ستكون مصوبة بالكامل الى داخل دولة جنوب السودان لترى ما الذي يفعلونه ببلدهم، وكيف يرسمون الابتسامة على شفاه شعبهم، ويقودون أمتهم للضفة الأخرى ويشعلون قناديل السلام ..
> أما الخرطوم صانعة المعجزات، فقد تعاملت بإيثار نادر وأثبتت أنها عاصمة كبيرة لا تزال جراحها نازفةً من التمرد في أجزاء من بلادنا، لكنها ضغطت على جرحها. وتحملته وذهبت لتضميد جراح جيرانها في دولة جنوب السودان .
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة