الصادق الرزيقي

وقائع جلسة سبقت عاصفة التأييد

اجتذبت دورة الانعقاد الحالية لمجلس شورى المؤتمر الوطني التي تختتم اليوم وبدأت مساء الخميس، الأضواء والاهتمامات، وتقاطرت إليها وهُرعت الصحف ووسائل الإعلام، لترصد ما يدور فيها وتحصي الكلمات والملاحظات والأنفاس، باعتبار أنها ستكون حاسمة لقضايا مهمة على الصعيد الوطني كالوضع الاقتصادي وحالة التلبك السياسي وموضوع ترشيح الرئيس البشير وهو رئيس المؤتمر الوطني في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2020م، ولم نجد نحن كصحافيين مشقة ولا عنتاً كبيراً في حضور الجلسة الافتتاحية ومتابعة الجدل الذي كان يدور قبلها في باحة قاعة الشهيد الزبير محمد صالح بالخرطوم، وما يجري من نقاشات وهمس داخل القاعة التي امتلأت بقيادات الحزب الحاكم.

> كان كل شيء قد أعد بعناية، شكلاً وفي ما يبدو موضوعاً، فالقاعة رتبت وتراصت صفوفها، وأُجلس الصحافيون خاصة رؤساء التحرير من غير العادة في المقدمة في الصفوف الثلاثة الأولى، وهو تقدير يليق بهم، ولربما قصد منظمو هذه الدورة أن يكون رؤساء التحرير أقرب إلى نبض الجلسة يتحسسون درجة حراراتها ويقيسون ارتفاع ضغط الدم، ويقفون على مقربة من مركز الفعل الحقيقي داخل الحزب الكبير، لكن أطرف ما كان في الصف الذي خصص لرؤساء التحرير، أن اثنين أو ثلاثة من كبار القيادات داخل الحزب وكانوا من رموز الدولة، لم يجدوا مكاناً للجلوس سوى المقاعد المخصصة لرؤساء التحرير، الأستاذ علي عثمان محمد طه عضو المكتب القيادي للحزب والنائب الأول لرئيس الجمهورية السابق، لم يجد مكاناً عندما دلف إلى القاعة قبيل بدء الجلسة بدقيقتين، واستضافه صف مقاعد رؤساء التحرير وجلس فيه بلطفه وتواضعه المعروف، بينما كان اختار الأستاذ أحمد إبراهيم الطاهر مقعده المكتوب عليه (رئيس تحرير) قبل حضور رؤساء التحرير، وعندما حضروا وتوسطهم وقال مازحاً: (أنا منكم وأجلس هنا بصفتي القديمة جداً عندما كنت محرراً في جريدة (آخر لحظة) الحائطية بجامعة الخرطوم…) فضحكنا وابتسمنا للتلاقي.
> على المنصة الرئيسة جلس البروف كبشور كوكو رئيس المجلس ونائبه د. عثمان محمد يوسف كبر ود. محمد البشير عبد الهادي ومقرر الشورى محمد طاهر أوشام، وظلوا في أماكنهم لخمسين دقيقة قبل افتتاح الجلسة، ولم يتحركوا إلا للتشاور بين الفينة والأخرى، وكان الأستاذ حامد ممتاز رئيس قطاع الاتصال التنظيمي يصعد إليهم في منصتهم في تشاور هامس أو يترجل كبر ويخرج ثم يعود.

> قبل الافتتاح قدم الفنان والمنشد أبو القاسم فقرات إنشادية أثارت شجون العديد من قيادات الصف الأول وأجيال الشباب مثل (مسلمون مسلمون) (وأخي أنت حر وراء السدود)، وكان أداؤه باهراً، وأضفى مسحة مختلطة من اختلاط ظلال الآيديولوجيا بالأشواق العارمة والواقع السياسي ونتاجاته وثماره الحلوة والمرة!! والأغرب في كل هذا المشهد أن الأب فيلوثاوث فرج عضو المؤتمر الوطني قام منفعلاً ( يبشر) على الفنان أبو القاسم في واحد من أشهر أناشيد الإسلاميين التاريخية!! وبدا في حالة الانشاد تلك وبعض الأعين التي ترقرقت بالدموع والأنفس التي هامت بالنشيدين كالبروف إبراهيم أحمد عمر وشيخ الزبير أحمد الحسن وبروف سعاد الفاتح وأحمد إبراهيم الطاهر ود. عيسى بشري وآخرين، كأن طيفاً أو أطيافاً من وجوه غابت وتاريخاً مليئاً بالعبر والعبرات والدروس وذكريات عزيرة كانت تحوم حولهم.

> مع دخول السيد رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الوطني ونائبيه بكري وحسبو ونائبه في الحزب د. فيصل، ارتفع إيقاع الترقب، والرئيس كعادته حرص على تحية بروف سعاد الفاتح وتقبيل رأسها توقيراً واحتراماً لها، وصافح عدداً من القيادات النسوية، وبدأت الجلسة بحضورها الكثيف الذي أشار إليه بروف كبشور، وجلس الرئيس على يمينه د. فيصل حسن إبراهيم وبروف إبراهيم أحمد عمر والزبير أحمد الحسن والمهندس إبراهيم محمود حامد، وعلى شماله بكري حسن صالح وحسبو محمد عبد الرحمن وحامد ممتاز … وكل شيء كان هادئاً وسلساً كانسكاب ماء.

> بروف كبشور رئيس مجلس الشورى قدم خطاباً قصيراً كديدنه دائماً، وهذه ميزة السياسيين الأكاديميين، ينفذون إلى النقاط مباشرة من دون تعقيد أو تطويل، وتناول مهمة الدورة الحالية وموضوعاتها والقضايا التي تناقشها، ثم تناول قيادة البشير لملف السلام في دولة الجنوب، وشكر المهندس إبراهيم محمود حامد لقيادته الحزب في الفترة الماضية، وعدد جملة من الهموم الحزبية والوطنية.

> مقرر الشورى محمد طاهر أوشام تلا تقرير المجلس وما تم إنجازه في الفترة السابقة والقرارات التي صدرت وموقف تطبيقها، ووأضح أن جملة من القرارات الإصلاحية تم تنفيذها، ولم تخل عملية تقديم التقرير من طرافة مثل إشارة أوشام الى قاعة الشهيد الزبير بقوله: (الشهيد الزبير أحمد الحسن ) التي أضحكت الحضور طويلاً.
> الرئيس البشير قُدِم بعد نشيد (أنا سوداني أنا)، وقال كبشور إن الجميع ينتظر حديث البشير الشيق، وعلق البشير على كلمة شيق بأنه لم يجد حديثاً شيقاً أفضل من التهليلات والتكبيرات التي ابتدر بها خطابه.

> من أهم الملاحظات، أن حديث الرئيس كان متفائلاً جداً وتحدث بروح فيها بشارات وثقة في ما سيحدث في الغد، خاصة في المجال الاقتصادي، وسرت روح البشير المتفائلة في الجلسة، حيث كان الجميع يستمع إليه بشغف بالغ واهتمام كبير، ولم تخل كلمات الرئيس البشير من إشارات ذات مغزى حول نوع الأداء الحزبي وما يمر به الحزب من تطور في أعماله، ولعل هذه الإشارة تشير الى تراجع الخلافات الحزبية وتعافي المؤتمر الوطني منها في الولايات وعلى مستواه الاتحادي.
> وجوه بارزة غابت أمس، منها الوالي محمد طاهر إيلا والي الجزيرة، والدكتور أمين حسن عمر أكثر أعضاء الحزب الذي دفع في اتجاه أدى لتعديل النظام الأساسي تعديلات على اللوائح، بينما كان الولاة الجدد حضوراً بفاعلية لأول مرة، خاصة أن الوفود الولائية كانت أكثرية الحضور.

> الشاب النيل الفاضل اقتحم البرنامج على طريقته عندما كان (يبشر) مع القيادات و (يعرض) مع الرئيس ونوابه، لكنه بعد أن فرغ الفنان أبو القاسم من أغنيته الحماسية (بتريد اللطام)، أخذ النيل لاقط الصوت وألقى قصيدة حماسية بحماس دافق على الحضور، أما أغنية (بتريد اللطام) التي قيلت في البطل الكبير ود حبوبة، فهي من التراث السوداني الذي يحتفي به حزب الأمة والأنصار، باعتبار أن ود حبوبة من فرسان الأنصار .. أحد ظرفاء الوطني قال: (ألم نقل لكم منذ أيام الإنقاذ الأولى نحن امتداد للثورة المهدية).

> كل رؤساء التحرير الذين حضروا والصحافيين خرجوا وألسنتهم تلهج بالشكر والثناء وعبارات الإشادة بالدكتور إبراهيم الصديق رئيس قطاع الإعلام والأستاذ محمد الفاتح أمين دائرة الصحافة ومعاونيهما، للجهود الجبارة التي بذلوها وحسن اهتمامهم بزملائهم الصحافيين وتيسير حضور الجلسة دون أية مشقة.

> يبدو ختاماً.. أن ما شهدته الجلسة الافتتاحية وروحها وتجلياتها، قد انعكست على الجلسة الإجرائية التي تلتها، وتم فيها تعديل النظام الاساسي واللوائح دون جدال ولغط .. ثم أعلن عن إجازة الشورى واعتمادها توصية ترشيح المواطن عمر حسن أحمد البشير لمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات المقبلة في 2020م.

 

 

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة