تحقيقات وتقارير

شُح الجازولين ونُدرة السيولة.. المُوسم الزراعي في كفِّ عفريت!!

في بلدٍ رُشِّح أن يكون سلَّة غذاء العالم، اعتاد المُزارعون أن يُواجهوا مع إطلالة كل مُوسم زراعي تَحديَات ومُعوقِّات يبدأ بارتفاع أسعار المُدخلات الزراعية وأهمها الأسمدة، مُقارنةً مع سعر التركيز المُعلن من قِبَل الدولة، بجانب مَشاكل أُخرى يصعب حصرها في عُجالة؛ لكن الجديد في هذا المُوسم ظُهُور معضلة جديدة لم تكن ضمن (منظومة المشاكل) من ذي قبل ألا وهي مُشكلة الجازولين، والتي يخشى المُزارعون أن تطيح بموسمهم، وقبل انحسارها ظهرت على السّطح مُشكلة أخرى وهي نُدرة السيولة بالبنوك مِمّا تسبّب في عدم صرف المُزارعين لأرباح القطن الخَاصّة بالمُوسم السابق.

القضارف.. بين سخاء السماء ومَتاريس الحكومة
إن جَازَ لنا البداية بولاية القضارف، فهي تكتسب خُصُوصيتها لاعتمادها على موسم زراعي واحدٍ خلال العام، يرتبط ارتباطاً كلياً على (غيث السماء)، وفي هذا الموسم استبشر المُزارعون بعد توالي هُطُول الأمطار منذ وقتٍ مُبكِّرٍ.. إذاً فذاك سخاء السماء، لكن يبدو أنّ الأمور في (الأرض) لا تمضي كما يشتهي المُزارعون، بدليل أنّ المُزارع حسن زروق بدأ حديثه لـ (السُّوداني) قائلاً: لقد واجهت مُزارعي الولاية جُملة من المعوقات والإشكالات والتحديات أبرزها شُح المواد البترولية وضعف انسيابها، بجانب عدم إيصال الجازولين إلى صغار المُزارعين الذين يمثلون 85% من مُزارعي الولاية، وبذلك فهُم يدعمون سوق المحصول عند انتهاء الموسم بالمحاصيل لكنهم مع ذلك يُواجهون مشكلة في تكوين تنظيمات المُنتجين.
وقال زروق إنّ نسبة ما وصل من الوقود للمُزارعين بالقضارف حوالي 47% فقط من حاجة الوقود للزراعة، وإنّ المُوسم مُهدِّدٌ بالفشل في حَال عدم وُصُول كميات مُقدّرة من الجازولين.
أمّا صغار المُزارعين فتحصّلوا فقط على حوالي 3% من حصة الوقود، لافتاً إلى عدم اهتمام الجهات المسؤولة وتفاعلها مع قضايا المُزارعين، وقال زروق: حتى الآن لم يكن بالولاية وزير للزراعة ليراعي حُقوق المُزارعين والمَشَاكل التي تُواجه الزراعة.

وفي ذات السِّياق، شكا مُزارعو الولاية من مُشكلة في الغابات، ذلك لجهة منعهم من الزراعة في هذا المُوسم رغم عدم إخلال المُزارعين بالاتفاق المُوقَّع بينهم والغابات الاتحادية، والذي يَنص عَلى زراعة نسبة 50% غابات ونسبة 50% محاصيل للمشروع الذي تبلغ مساحته 100 فدان، مُطالبين بحمايتهم.
وطالب المُزارع حسن زروق بتوفير الحماية لمُزارعي الحُدود مع الجارة إثيوبيا، وقال إنّ الحكومة الإثيوبية تُوفِّر الحماية الكاملة للمُزارعين، فما الذي يمنع توفير قُوّات سُودانية لحماية المُزارعين، واصفاً تكوين جمعيات الإنتاج بأنه (حبرٌ على ورق) لأنه لم يقدِّم أيِّ خدمات للمُزارعين.

مشروع الرهد.. و(حق التحضير)!!

ولا تبعد مشاكل مُزارعي مشروع الرهد كثيراً عن تلك التي تُواجه رُصفاءهم بالقضارف، حيث يقول المُزارع محمد عبد الله أبو سمبل لـ (السوداني): لا بُدّ أولاً أن تقوم الجهات المُختصة بكل ما يليها منذ البداية خُصُوصاً، وأنّ هذا الموسم الزراعي يُعتبر استثنائياً بكل المَقاييس، إذ لم يحدث أن وَاجه المُزارعون بالسودان مُشكلة عدم توفُّر الجازولين وشُح في السيولة كما هو الآن، وهذا يُشكِّل أكبر مُهدِّد لنسف المُوسم الزراعي، وبالتالي فواجب الحكومة بأعجل ما تيسّر وضع الحُلُول الناجزة (بيان بالعمل) وليس بكتابة التقارير والتّصريحات التي لا ولن تُسمن أو تُغني من جوع، وقال أبو سمبل: الحاصل الآن هو غيابٌ تامٌ لمجلس الإدارة منذ بداية المُوسم، وحقيقةً لو كان المجلس موجوداً يقوم بدوره على الوجه الأكمل لما حدثت تلك المشكلات وتراكمت، على سبيل المثال وفَّرت شركة الأقطان مبلغ (27) مليار جنيه عبر البنك الزراعي لكنها لم تُصرف للمُزارعين حتى الآن، مُشيراً إلى أنّ أكبر خطأ أُرتكب في حَق المُزارعين هو حل الاتحادات وعدم وجود بديل مِمّا تسبّب في مُشكلة كبيرة للسواد الأعظم من المُزارعين وبالتالي لا بُدّ من الحل.

وأجمع مُزارعون تحدّثوا إلينا أنّ الشّركات تقوم بتوريد المَبالغ المَاليّة الخَاصّة بهم عبر تجربة الزراعة التّعاقدية، لكن المّشكلة كلها في البنك التي جمَّدت أموالهم وأصبح جُل المزارعين لا يملكون حتى (حق التّحضير) لهذا المُوسم خُصُوصاً بعد ارتفاع تكاليف الزراعة ودُخُول الجازولين إلى السوق الأسود.
من ناحيته، ذهب أمين الزُّراع بالرهد لطرح مشكلة أخرى تتعلّق بضعف أسعار القطن، مُطالباً بتدخل الدولة لحل هذه المُشكلة، مُؤكِّداً أنّ التكلفة لا تقل عن 7 قناطير من القطن في أنّ الإنتاجية تتراوح ما بين 9 – 10 قناطير.

وبالعودة لمُشكلة الجازولين، يقول مدير مشروع الرهد الزراعي عبد الله محمد أحمد لـ (السوداني): لقد بدأنا عملية التوزيع من شهر أبريل، حيث قُمنا بتوزيع 20 ألف جالون جازولين كدفعة أولى، ثُمّ ارتفعت إلى 30 ألف جالون ثُمّ 400 ألف وهي آخر دفعة وكانت في شهر يونيو.
مشروع حلفا.. انسداد القنوات!!

ولا تبتعد مَشاكل مُزارعي مشروع حلفا الزراعي؛ كثيراً عن (شركائهم) في المُعاناة، لكن لهؤلاء إضافة جديدة تتمثل عدم صيانة الترع والقنوات حسبما قال لـ (السوداني) المزارع محمد علي، الذي أكّد أنّ عدم تطهير هذه القنوات تسبّب في تعطيل الزراعة، مُنوِّهاً إلى أنّ المُزارعين دفعوا ميزانية الري كَاملةً.
من جهته، طَالَبَ أمين الرعاة بمحلية نهر عطبرة عبد الله عدلان بتكوين لجنة تقصي بحق الجهة التي تَسَبّبت في ضياع المُوسم على المُزارعين المغلوب على أمرهم، وكذلك لا بُدّ من إرجاع القنوات الصُّغرى إلى إدارة المشروع أُسوةً بالمشاريع المروية الأخرى.

وأشار مصدر – فَضّل حجب اسمه – إلى اختلاف بين خطتي وزارة الزراعة الاتحادية ووزارة النفط، فالأخيرة تعتمد على مُؤشِّرات أرقام سابقةٍ، والصحيح هو أن تتطابق أو الأقل أن تَتماشى هذه الأرقام مع تلك الواردة عن وزارة النفط، اعتماداً على المَساحات التأشيرية التي ينبغي أن تكون من صميم عمل وزارة الزراعة، مُشيراً إلى أنّ هذه الإشكالية، مُضافاً إليها القرار المركزي الصادر بإيقاف الجازولين من الولاية تسبّبا في خلق إشكالية للزراعة البستانية لأنها تعتمد في ريِّها على الطلمبات.

النيل الأزرق (القوي يأكل الضعيف)!!

وفي ولاية النيل الأزرق، دفع صغار المُزارعين ثمن المتاريس التي لاحقت المُوسم الزراعي الحالي، وأكّد المُزارع فاروق محمد علي لـ (السوداني): كغيرنا من مُزارعي السودان قاطبةً نشكو مُـرّ الشكوى من شُح في الجازولين لا سيما صغار المُزارعين، مُشدِّداً على عدم وجود انفراجٍ واضحٍ في الوقود الزراعي حتى الآن، واستدرك بقوله: إنّ الولاية أخذت حصتها من الوقود، لكن المُشكلة تمثلت في وصول هذه الحصة عن طريق كبار المُزارعين وبالتالي كانت خصماً على صغار المُزارعين الذين ضعوا بين يدي الحكومة المسؤولة عنهم أمام الله والتاريخ، وبين كبار التجار الذين استأثروا بحصص الوقود لأنفسهم ولو على حساب هؤلاء الغلابة.
الجزيرة والمناقل.. في انتظار الغيث!!
وفي (شيخ المشاريع) “الجزيرة” وامتداده “المناقل”، ما زال المُزارعون يعقدون في المُقارنات بين موسمهم هذا والمواسم السابقة، حيث يُؤكِّد المزارع عصام شنان عدم انفراج الأزمة حتى كتابة هذه السطور، وقال: رغم المجهودات المبذولة إلا أنّ شُح الجازولين وندرة السيولة جَعلت بعض المُزارعين يتفرَّجون على (حواشاتهم) وهم في حيرةٍ من أمرهم، بل أنّ البعض منهم أصبح (عشمه) في هُطُول الأمطار أكبر من الرّي الذي يُفترض أن يَنساب على حُقُولهم.
كسلا.. الزراعة البُستانية تُناديكم!!
أمّا ولاية كسلا، فقد اشتهرت بالزراعة البستانية والتي يَبدو أنّها تُواجه ذات المتاريس التي واجهتها كل المشاريع الزراعية بالسودان، بدليل أنّ المُزارع محمد آدم قال لـ(السوداني)، إنّ نسبة الوقود التي تم صرفها للقطاع البستاني غير كافية، وذلك لأنَّ المُزارعين بهذا النظام يعتمدون بشكلٍ كبيرٍ جداً على تشغيل المُولِّدات نسبةً لعدم استقرار التيار الكهربائي، وبالتالي أدّى ذلك لأنّ ترتفع تكلفة الإنتاج فكانت النتيجة المُتوقّعة بالضبط وهي زيادة كَبيرة في أسعار الخُضر والفاكهة.

صحيفة السوداني.

تعليق واحد

  1. الفساد منتشر في السودان بين اغلب المسؤلين في الحكومه من فوق الى تحت وبين اغلب الشعب واغلبهم وراء المغنين والمغنيات الذين ( لايغنون ولايسمنون من جوع )وبالتالي اغلبهم تركو الزراعه ومع وجود ندره الوقود يتم تخزينه وتهريبه والزراعه قليله ينتج عنها ندره في دقيق القمح والخضروات والفواكه والنقل مع الطرق الرديئه والكهرباء قليلة مع الشبكه السيئة واصبح الغلاء في كل شي وقلة النقد في البنوك سيزيد من التزوير حلقة مربوضه ببعضها
    ونتضرع الى الله ان يزيل الغمه من الامه
    اللهم انا نعوذ بك من الغلا والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجائت نغمتك وجميع سخطك