مفتاح الطريق
سيطرت الأزمة الاقتصادية على مداولات شورى المؤتمر الوطني التي التأمت من الخميس حتى السبت أول من أمس، وتناول السيد رئيس الجمهورية الوضع الاقتصادي في خطابيه عند الافتتاح وفِي المختتم، وكان متفائلاً بدنو الحل واستواء السفينة والمركب على جودي الانتعاش الاقتصادي مرة أخرى، محدداً بعض السياسات والتدابير التي تجعل ذاك ممكناً، وقول الرئيس البشير في هذا الشأن الملح مهم جداً كونه نال ثقة حزبه وصار مرشحه لانتخابات 2020م، بالإضافة الى المسؤولية الواقعة على عاتقه الآن كراعٍ مسؤول عن أحوال رعيته التي عانت وذاقت مرارة التراجع الاقتصادي وصبرت … ويرهق كاهلها ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الجنيه وجشع التجار وقسوة الفاسدين، فصمدت وانتظرت!!
> أما الرئيس البشير والحزب الحاكم والحكومة، طريق واحد فقط لا غير، هو الإسراع في تطبيق البرنامج الاقتصادي الإسعافي الذي بشر بِه البشير نائبيه في مجلس الشورى، وحشد كل طاقات الدولة والمجتمع لإنجاح هذا البرنامج، وتغيير العديد من السياسات الاقتصادية والمالية التي أدت الى هذا الحال المزري، فالمطلوب انقلاب اقتصادي حقيقي يهيئ الظروف والمناخ لحلول واقعية تنتشل البلاد من وهدتها الواهنة ويشعل الأمل من جديد في نفوس السودانيين.
> الاقتصاد في حاجة الى لغة جديدة وخطاب سياسي متطور وخلاق يبتعد من العبارات المعلبة والشعارات البراقة، والى حديث عملي فيه مزاوجة ما بين المطلوب عمله في كل القطاعات المنتجة والمستهلكة، وبين إبراز قدرة الدولة على إنتاج سياسات رشيدة وتدابير صارمة تتجه لإصلاح هيكلي للاقتصاد ومؤسساته من من وزارات وقطاع مصرفي، ولو لم تتعامل الدول مع الواقع وتنظر نظرة كلية للأزمة من كل جوانبها وزواياها فلن يكون هناك إصلاح أصلاً، فتبعيض الحلول وتجزئتها لن يقود إلا الى مزيد من التعقيد وكثير من العلل.
> الى هذا فقد ورد في حديث الرئيس وكثير من الذين تحدثوا في شورى الوطني، أن السودان ليس فقيراً ويمكنه توليد الحل ذاتياً من موارده وثرواته، وهذا صحيح ويتسق مع روح الخطاب السياسي حول عدم الخنوع والركوع للخارج أو البحث عن مخرج من وراء الحدود، لكن هذا بالطبع يحتاج الى روح جديدة تتجلى في قيادة الرئيس البشير شخصياً النفرة التي أعلنها لشحذ الهمم وتثوير القطاعات الانتاجية وتحفيز المنتجين في المجالات الزراعية والرعوية والصناعية، وقبلها تحسين أداء مؤسسات الدولة ذات الصِّلة المباشرة بالإنتاج، فمواردنا التي نتباهى بها لن نستفيد منها إذا كانت هناك عقبات كأداء ومؤسسات الدولة والسلطات المحلية تعمل ضد هذه الاستفادة، وللتأكيد على ذلك فلننظر إلى التشريعات التي تنظم الاستثمار الداخلي والخارجي واستخدامات الأراضي والمنازعات حولها وضعف قوانينها، والفساد والرشى في الأجهزة والدوائر الحكومية في المستوى المحلي والولائي والاتحادي، هذا غير الذي يحدث في قطاع الخدمات العريض الذي جذب اليه غالب العوائد المالية والكتلة النقدية.
> ولا يمكن للإصلاح الاقتصادي أن يتم ويحقق نتائج إيجابية، إذا لم يقد الرئيس حملة ضخمة لتغيير المفاهيم العامة في العمل والاستهلاك ومحاربة الظواهر السالبة في المجتمع وثقافته التي ارتبطت بالجشع والشره والتمظهر الاستهلاكي المقيت والتنافس غير الشريف في السوق والتجارة والتعالي في البنيان وانفراط عقد الأخلاق التي كانت تحصن المجتمع من السقوط عند السفح.
> مفتاح هذا الطريق للانتعاش الاقتصادي بيد الرئيس والحزب والحكومة، وهو طريق شاق وصعب، لكنه ليس مستحيلاً، ومن سار على الدرب وصل.
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة