أين العيد؟ .. الخبز والسيولة وأزمة ترمب .. وزيارة السيال فاطر
أين العيد؟ ..
لم يمر على السودانيين عيداً قاسياً بلا طعم، كما مرَّ عليهم هذا العيد، رغم ذلك سموا فوق جراحهم وضغطوا على أحزانهم وهمومهم وسعدوا بالنطق، فالجيوب خالية وخاوية أفرغ من فؤاد أم موسى، فالخبز مفقود ومجلوب بعذاب لا يُطاق، والأفئدة كسيرة والتبريرات شائهة وضعيفة، وظهر المعدن الأصيل في الألم الصامت والوجع الأبكم الذي يحسونه ولا يجرأون على الصراخ به، فالبنوك أوصدت أبواب خزائنها المعدمة بعد أن قتر عليها بنك السودان تقتيراً، وصرفت رواتب العاملين في الدولة والقطاع الخاص بشق الأنفس، وقد شوهد بعض مديري يبتدعون أساليب جديدة لم يعهدها النظام المصرفي من قبل في استجداء محطات الوقود والمحال التجارية وبائعات الشاي لجمع السيولة من عائداتهم لتغطية المرتبات وحاجة المواطنين.
أما على صعيد العامة من الناس، فلم يتعامل أو يفهم كثيرون تقنية الدفع الإلكتروني التي تحتاج إلى جهد و وقت طويلين، حتى تصبح ثقافة عامة والضرورة والحاجة قد تعجل من تفهم المواطنين لها وسيتعاملون بها حتماً، كم من أسرة غلّقت عليها أبوابها ورضيت من الغنيمة بالإياب؟! و كم من أب كتم ما في نفسه من حسرة لعجزه عن دلق الفرح في نفوس أطفاله؟ . وكم من أم و زوجة جربت في أسرتها كيف يستر الحال بالقليل؟ ثم شمرت عن ساعدها لغياب الأضحية والخبز، وقالت « ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان»! ..
أزمة السيولة النقدية يمكن أن تحل بالإجراءات التي يعمل عليها بنك السودان والمصارف الأخرى على المدى المتوسط والطويل عبر تطوير خدمة الدفع الإلكتروني، وهي حل نهائي لمثل هذه المعضلات، لكن حتى ذلك الوقت لابد من وضع حلول معقولة ومقبولة تنتج عن فكر اقتصادي محض وليست إجراءات احترازية لاعتبارات أخرى ..
أما أزمة الخبز، وهي أزمة مركبة، فحلها في عدة اتجاهات. فالحكومة تواجه ابتزازاً من التجار مستوردي الدقيق والقمح والمطاحن والمخابز، والحصص التي تخرج يومياً من الدقيق لا تذهب للمستهلك وهناك حلقات مفقودة تتحمل الحكومة والسلطات المحلية مسؤولية عدم المتابعة والمراقبة والضبط وتفعيل الإجراءات التي بموجبها نطمئن على انسياب الدقيق للمخابز والخبز للمستهليكين، لكن في ذات الوقت ينبغي أن يكون هناك تحول حقيقي في ثقافتنا الغذائية التي تعتمد على القمح والخبز والدقيق المستورد ..
أزمة الفساد ..
حتى اللحظة تقف الدولة عند اختبار حقيقي، فملفات الفساد والموقوفين من المشتبه بهم، لم يقدموا للمحاكمة رغم وضوح القضايا وحجم المعلومات التي توفرت والحيثيات الأخرى التي تعجل برفعها للقضايا ليقول قوله الفصل، تغامر الدولة كثيراً بهذا الوقت المهدر في الإجراءات الطويلة التي لا تفيد في مثل هذه الحالات، فالعدالة ستبدو عاجزة إذا ساور عامة الناس الشك في تباطؤ الجهات العدلية في إكمال تحرياتها، ويمكن أن تتهم الأجهزة العدلية نفسها بعدم قدرتها على القيام بدورها إذا تأخرت كل هذا الوقت، ما لا نفهمه هو ما الذي يجري ؟ هل المشتبه فيهم المحتجزين من أسابيع وشهور لم يكتمل التحري معهم والتحقيق في التهم الموجه إليهم، أم أنه ليس لدى وحدة مكافحة الفساد التابعة لجهاز الأمن والمخابرات أدلة ومعلومات لا تكفي في حال وزنها بميزان القانون لتقديم المتهمين للقضاء..؟
هناك شيء غير مفهوم!. مصداقية الدولة لا يمكن المساومة عليها، فالإرادة السياسية القوية وراء الحرب على الفساد التي يقودها الرئيس شخصياً، يجب ألا تصطدم بأي عائق .. فالحذر من أن يحبط المواطن وهو يتعلق بآخر قشة أمل في محاربة غول الفساد ..
ترمب في مواجهة أزمته
كما هو متوقع منذ انتخابه في سابقة وحالة جدال لم تشهدها الولايات المتحدة من قبل، يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب هذه العاصفة القوية التي قد تطيح به وتعصف به بعيداً عن البيت الأبيض، تحاصره أزماته الخاصة وفضائحه الأخلاقية وتخلي فريقه الانتخابي والحكومي عنه الواحد تلو الآخر، وسلوكه السمج والأخرق في ممارسة صلاحياته وسلطاته كرئيس لأقوى دولة في العالم، كل مغامراته السياسية كانت فاشلة ووبالاً عليه وعلى بلده، خسر حلفائه الغربيين، ودمر ثقتهم في إدارته، ودخل في معارك لا قيمة لها مع الإعلام والصحافة الأمريكية، وصار عدو الإعلام الأول، شوَّه وزن وصورة المنصب الذي هو فيه، تلاعب به رئيس كوريا الشمالية الشاب الصغير السن وورطه في خطوة كانت بلا حسابات مضمونة، ظهر ضعيفاً أمام الدب الروسي حتى لكأنه يعترف بما يقال عن التدخل الإلكتروني من الهكرز الروس في الانتخابات الرئاسية في 2916م، كل ما حول الرئيس ترمب ينذر بنهايته، وكما قالت صحف وفضائيات أمريكية وغربية ومحللين سياسيين دوليين، إن أزمة ترمب قد لا تنتهي به إلى قارعة الطريق معزولاً عن منصبه، إنما قد تنتهي به إلى المصحة العقلية!!..
أعياد وأعياد
أمس، قضينا يومنا على سندس أخضر ووسط قلوب خضراء ونفوس زاهية، كنا في زيارة اجتماعية لمحلية شرق الجزيرة برفقة الأخ الكريم العزيز السفير إدريس سليمان وزير التعاون الدولي ومعتمد محلية شرق الجزيرة د. موسى عبد الله موسى ورئيس مجلس تشريعي المحلية الأمين أحمد إبراهيم عبد الإله أبوسن، وعدد من القيادات السياسية والأهلية، وقادة القوات النظامية بالمحلية. كنا في زيارة خاصة ومعايدة لمنطقة (السيال فاطر) بدعوة من أخينا وصديقنا وزميلنا الصحافي النابه، مجاهد عبد الله الصديق ابن المنطقة ورئيس نادي العاصفة الرياضي.
وكعادة أهلنا في ريف وبوادي السودان، هب وهرع أهل السيال لاستقبالنا وسط حفاوة وكرم مشهود بها لهذه المنطقة العريقة التي تُعد إحدى مراكز الإدارة الأهلية لنظارة الشكرية، وبها شيخ الخط الثاني وهو العميد شرطة (م) الرشيد محمد أحمد حسان أبو سن، وقابلنا عدداً كبيراً من رموز المنطقة في جو عائلي بديع وكرم فيَّاض لا يوصف، هو ديدن أهل السيال فاطر وما جاورها، واستمعنا لبعضهم يتحدث عن تاريخ المنطقة وعراقتها، وهمومها الآنية المتمثلة في الطريق الذي يربطها بالطريق القومي وهو لا يتعد العشرين كيلومتراً، ثم الخدمات التعليمية والصحية والمياه، وقضايا الزراعة والمراعي وتطوير الثروة الحيوانية، وهذه المنطقة منطقة إنتاج زاخرة بموارد طبيعية ومراعٍ خصيبة وواسعة تعد الأوسع في السودان، وهي بداية البطانة، وهناك حماس كبير لتدريب الشباب في مختلف مجالات التدريب المهني والأكاديمي والحرفي، بالإضافة إلى دعم الأنشطة الثقافية والرياضية والاجتماعية، ومجتمع السيال فاطر وما جاورها مجتمع متماسك ومترابط، يمكن أن يكون نموذجاً للتنمية الريفية بكل أشكالها.. وهذه سهلة وميسورة فقط الطريق هو الحل ..
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة