عثمان ميرغني

الوَجه الآخَر .. للأزْمَة ..!


مدير السجون في حوار مع زميلتنا المتألقة رجاء نمر أدلى بمعلومة غاية في الخُطورة دُون أن ينتبه لها أحدٌ.. بل هو في الحقيقة كشف خبرين.. الأول يقع تحت طائلة )خبر سعيد(.. والثاني على النقيض )خبر تعيس(..!
لنبدأ بالخبر السّعيد.. قال مدير السجون إنّ هناك انخفاضاً ملحوظاً في أعداد النزلاء في جرائم )الشيكات المُرتدّة(.. وحتى عهدٍ قريبٍ كان عَدَد حَاملي هذه البطاقة هُم الغالبية التي تحتل كافة سجون السُّودان، وبعضهم تمتد إقاماتهم في السجون لسنواتٍ طويلةٍ تحت مادة )يبقى لحين السَّداد(، والتي يسخر منها البعض ويطلق عليها )يبقى لحين الممات(..!

وطبعاً؛ تفسير الأمر ينطبق عليه العنوان الذي اختاره الجنرال الأمريكي “شوارزكوف” الذي قاد حرب الخليج الثانية ونشر مذكراته تحت عنوان )لا تحتاج إلى بطل( It Doesn’t Take a Hero
التفسير هو أنّ الأزمة الافتصادية الطاحنة، وانهيار الثقة في البنوك لا المُتعاملين معها فحسب، جعل الشيكات تخرج من سُوق المُعاملات التجارية.. مع انحسار النشاط التجاري أيضاً..
ولكن في المُقابل، )الخبر التعيس( هو أنّ أعداد المسجونين في الشيكات حل محلهم نزلاءٌ جُددٌ.. يعكسون صورة الحال والمُتغيِّر الشاحب الذي تمر به البلاد..!

انحسر سجناء الشيكات ليحل محلهم سجناء المُخدّرات.. والعلاقة واضحة.. فمع ازدياد الأزمة الاقتصادية شح النشاط التجاري لتزيد العطالة والاكتئاب الاجتماعي فيدخل في كُلِّ يَومٍ جَديدٍ أعضاءٌ جددٌ لنادي العُقُول المغيبة بفعل فاعل.. وبقدر ما خسرت السجون نزلاء الشيكات، كسبت نزلاء المُخدّرات وهي مُعادلة فادحة مُرعبة.. يَصعب التّخلُّص من آثارها في وقتٍ وجيزٍ.. فسجين الشيكات تنتهي آثار جريرته بانتهاء سداد مديونيته، ولكن سجين المُخدّرات مثل الحمار في الوَحل كَلّما حَاوَلَ التّحرُّك ازداد تَوَحُّلاً..!

بكل يقين، من يرى في صُفُوف الخبز شراً مُستطيراً فهو لا يرى إلا المشهد الماثل أمامه، ولكن في كواليس الأزمة شرٌّ أكبر.. فعندما يدخل المُجتمع دائرة الهروب من الواقع والإحباط بالوقوع في براثن المُخدّرات، فإنّ ذلك يعني رواج تجارة مُجرمة ستترسّخ وتقوى مع الأيام ليصبح اقتلاعها أمراً غاية في الصعوبة وبتكلفةٍ – بشريةٍ – باهظة الثمن..!

وراء كل صَف رَغيف، صَفٌ آخر سري يزحف في الظلام نحو الهَاوية.. ومَن لَم يَمت بالجُوع مَاتَ بالمُخدّرات.. والبحر من خلفكم والعَدو من أمامكم.. فأين المَفَر؟!
هل أدركتم أنّ كل ساعة تمر من عُمر الأزمة.. تَعني انهيار سنة من عُمر السُّودان الإنساني..?!

عثمان ميرغني | حديث المدينة