الصادق الرزيقي

وزارة ووزيرة


أول من أمس من دون ترتيب مسبق وعلى عجل وقلق (كأن الريح تحتنا نوجهها جنوباً أو شمالاً) كما قال الشاعر الكبير المتنبي، ألقينا عصا التسيار بواد ذي زرع عند وزارة بولاية الخرطوم، شعرنا أنا وزميلي الصديق الأستاذ عادل الباز ونحن نستمع باهتمام بالغ للدكتورة أمل لبيلي وزيرة التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم، وهي تحدثنا عن قضايا المجتمع وتحديات وأهداف التنمية الاجتماعية بالولاية، شعرنا بأننا في حاجة أكبر كصحافيين للغوص عميقاً في هذا الهم الأول للدولة والمجتمع، وهو هم لا يمكن النظر إليه إلا من زاوية واحدة من أجل الوصول إلى مجتمع مترابط العُرى، متماسك البناء، يشعر بالرضاء والطمأنينة، تنحسر فيه الفوارق والفواصل الاجتماعية الى أدنى مستوى، ويستطيع تحقيق تطلعاته في الكفاية والإنصاف والعدل وتساوي الفرص والحد من حدة الفقر ومحاربته، وتطوير القدرات وتدريب وتأهيل الشباب وتنمية المهارات وحسن توظيف الموارد من أجل رفع العبء الثقيل عن عاتق المعوزين والمحتاجين.

> أيقنا أنا وعادل، أن عالم السياسة الذي ناء بكلكله وأرخى سدوله، وما يدور في مدارات ساس يسوس اللولبية، أخذنا بعيداً عن مجال العمل الحقيقي الذي يمكن أن تصوب إليه أسنة الأقلام، وتسال فيه الأحبار، وتسود بها الصحائف التي تصدر كل يوم بغثها وسمينها، فمجتمعنا في أشد ما تكون الحاجة للنظر إليه من بوابة وعبر منظار العمل الاجتماعي ومفاهيمه العامة التي لم تعد فعلاً تنفيذياً تضطلع به الحكومات وأجهزتها ومؤسساتها وحدها، وخير مثال على ذلك ما حدثتنا به الوزيرة أمل وهي تتجاذبها أقضية وهموم بعد الحصى والرمل، بما يجري في ولاية الخرطوم التي تمثل السودان كله، وكيف تحاول أن تزيل كل هذه الصورة الشوهاء المستقبحة وتجتهد لتحولها الى مقاربة زاهية من غايات حميدة.

> هناك مشروعات لا تندرج في إطار الرعاية للفقراء والأسر المسحوقة المعدمة، فقضية الرعاية لم تعد هي الحل، وإنما التنمية الاجتماعية بمفهوماتها الواسعة في تنمية القدرات الإنتاجية وتوفير سبل ووسائل الإنتاج وتجذير أنموذج الأسرة المنتجة والخريج العامل المنتج، والتشاركيات والشركات الصغيرة، وتسخير الإمكانات البشرية من أجل الكفاية وزيادة الدخل والإنتاج، وسد الذريعة وتحسين حياة الفرد والارتقاء بها ومساعدته للخروج من ضيق العيش إلى سعة الاعتماد على النفس، وتغيير الواقع من فقر مدقع إلى قوة خلاقة كامنة في نفس الإنسان وذاته.

> في نقاشنا مع الوزيرة التي تعي دورها وواجب وزارتها، استبنا بوضوح أن الهدف كله في غاياته ونهاياته، هو أن يقود المجتمع مبادراته وتتسوع مشاركته، بينما تجتهد الدولة في الدعم والتمويل للمشروعات ذات النفع العام التي تعود على المجتمع نفسه، وتفتح آفاقاً عريضة حتى يصل إلى مرحلة تتمكن فيها الشرائح الضعيفة والمحتاجون من توفير ما يحتاجونه وإدارة شأنهم الخاص وتلبية كل احتياجاتهم الضرورية دون المساعدة من أحد، فالدولة وإمكاناتها عامل مساعد وليس الفاعل الأوحد المستمر الى ما لا نهاية، ومن حسن رشد هذه المفاهيم الجديدة بالانتقال من مرحلة الرعاية الى التنمية، أن المشروعات الضخمة التي تنفذ في مختلف المجالات وتستفيد منها القطاعات والشرائح الاجتماعية المتنوعة، سواء كانت مشروعات دعم مباشر أو تنمية اقتصادية أو خدمات أو تأهيل لمنظمات خيرية لتعمل على درء مخاطر متعددة تدهم المجتمع من ظواهر سالبة نتجت عن الفقر او التفكك الاسري او التشرد الجزئي والكلي أو التسرب من التعليم او العادات الضارة والانحرافات السلوكية.

> تلامس هذه القضايا ومجالات عمل الوزارة مواطن ومواضع العصب الحي في مجتمعنا، ولا ينبغي أن تكون الأقلام ووسائل الإعلام بعيدة بُعد المشرقين عن هذه الهموم، فلا بد من تكثيف النشاط والعمل الإعلامي وتنوير المجتمع بالكتابات الصحفية لينتبه لقضاياه الحيوية والحقيقية، وحتى تصبح ثقافتنا العامة ثقافة موجبة تحارب الفقر وتحد منه وتنشر الفضيلة وتغيث الملهوف والمحتاج وتعين صاحب الحاجة وتساعد الطالب المعدم وتتيح فرص العمل الشريف للمضطر، وتوفر مجالات العمل والإنتاج للشباب والخريجين وتقضي على البطالة.

> تعمل الوزيرة في صمت كما رأيناها تجتهد في الابتعاد عن مساقط الأضواء، وتحمل في عقلها الكثير من الأفكار والعديد من الإشراقات المتوهجة من خطط وبرامج تتكامل مع الرؤية الكلية للدولة واستراتيجيتها وسياسات الوزارة الاتحادية والأهداف العامة للتنمية المستدامة، وغيرها من المرجعيات الأساس في مجال التنمية الاجتماعية، ولدى الوزيرة والوزارة ما يقال.. ومن الضروري ألا تسكت عن الكلام المباح، ولدى وسائل الإعلام والصحافة ما تفعله وتقوله… فمن الضروري أن تتكلم ولا تكون بعيدةً عن مصدر الكلام المتاح.

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة